U3F1ZWV6ZTM1NTgxMTY5NjA2OTA3X0ZyZWUyMjQ0NzY3ODUyMjQwMg==

خطبة الجمعة من المسجد النبوي 10 رجب 1443

خطبة الجمعة من المسجد النبوي 10 رجب 1443

 القي فضيلة الشيخ علي بن عبد الرحمن الحذيفي خطبة الجمعة من المسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة بتاريخ 10 رجب 1443هـ بعنوان التفكر بحقيقة الدنيا الفانية وخاطب المصلين بالتفكر في حقيقة الدنيا الفانية  و ما يجب على المسلم تجاه فتن الدنيا وشهواتها و دعا المصلين  للتوبة والتحذير من التسويف والمعاصي أكتب ما جاء فيها .

الشيخ علي الحذيفي وهو في المنبر

عنوان الخطبة التفكر بحقيقة الدنيا الفانية

 الخطبة الأولى:

الحمد لله، الحمد لله العزيز الغفار؛ (يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ)[الزُّمَرِ: 5]، وكل شيء عنده بمقدار، أحمد ربي وأشكره على نعمه وفضله، وأشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له الواحد القهار، وأشهدُ أن نبينا وسيدنا محمدًا عبدُه ورسولُه، المصطفى المختار، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه الأخيار.

أما بعدُ: فاتقوا الله -تعالى- وأطيعوه؛ فإن طاعته أقوم وأقوى، وتزوَّدوا لآخرتكم؛ فإن خير الزاد التقوى.

عبادَ اللهِ: تفكروا في مدة الدنيا القصيرة، وزينتها الحقيرة، وتقلُّب أحوالها الكثيرة، تُدرِكوا قَدرَها، وتَعلَموا سرَّها، فَمَنْ وَثِقَ بها فهو مغرورٌ، ومَنْ ركَن إليها فهو مثبورٌ، فقصرُ مدةِ الدنيا بقِصَر عُمرِ الإنسان فيها، وعمر الفرد يبدأ بساعات، ويَتبَع الساعاتِ أيامٌ، وبعدَ الأيام الشهورُ، وبعد الشهور العام، وبعد العام أعوامٌ، ثم ينقضي عمرُ الإنسان على التمام، ولا يدري ماذا يجري بعد موته من الأمور العظام، وهل عمرُ مَنْ بعدَكَ -أيها الإنسان- عمرٌ لكَ؟! فعمر المخلوق لحظة في عمر الأجيال، بل الدنيا متاع، ومعنى المتاع ما يُلتذّ به ويُتمتَّع به في وقته، ثم ينتهي في ذلك الوقت، قال الله -تعالى-: (إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ)[غَافِرٍ: 39]، وقال تعالى: (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا)[الْكَهْفِ: 45]، وقال سبحانه: (أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ)[الشُّعَرَاءِ: 205-207].

وأخبَرَنا ربُّنا -جل وعلا- عن قِصَر لُبث الناس في قبورهم إلى بعثهم للحساب، بأن هذه المدة الطويلة كساعة، قال الله -تعالى-: (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ)[يُونُسَ: 45]، وقال تعالى: (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ)[الْأَحْقَافِ: 35]، وقال تعالى: (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ)[الرُّومِ: 55]، فما عمرُكَ -أيها الإنسانُ- في هذه الساعة؟! التي أخبرنا الله -تعالى- عنها أنها كمدة الدنيا عند قيام الساعة، فهذه الساعة التي هي كمدة الدنيا كقطرة من محيط الزمن السرمديّ الأبديّ، فطُوبى لمن عَمِلَ في عمره القصير الصالحات، وهجَر المحرَّمات، وحَذِرَ اتباعَ الهوى وطُرُق الغي والضلالات؛ ففاز في جنَّاته بالخيرات، وفاز بعد موته برضوان الله في نعيم الجنَّات، وويلٌ لمن اتبع الشهوات، وأضاع الصلوات، والواجبات، واقترف الموبقات فسقط في طبقات جهنم، فصار طعامه الزقوم، وشرابه الصديد والحميم.

يا مَنْ أطغَتْه صحتُه فعصى، يا مَنْ أفسدَه فراغُه فلَهَا، يا مَنْ فتَنَه مالُه فتردَّى، يا من اتبع هواه فسقط وهوى، يا مَنْ غرَّه شبابُه فنسي الِبلى، يا من استعان بنعم الله عليه فتمرد وطغى، ألم تعلم بأن الله لا يُعجزه شيءٌ في الأرض ولا في السماء، وأنه شديد العقاب؟ أما تُوقِن بالموت وما بعدَه من الحساب؟! يا مَنْ جرَّأَه على ربِّه فُسحةُ الأجل، وبلوغُ الأمل، حتى اختطفه الموت فأنَّى له أن يرجع إلى الدنيا ليصلح العمل؟!

أما آنَ لكَ -أيها الغافل المُعرِض العاصي- أن تتوبَ إلى ربك وتُنيب؟! أمَا آنَ لكَ أن تستيقظ من هذه الغفلة المطبِقة وتستجيب؟! ألَا تَعتبِر بالقرون القوية الخالية ومساكنهم الخاوية، بعد غرسهم أنواعَ الأشجار، وإجرائهم الأنهارَ، وبنائهم الأمصارَ، كيف صاروا بعدَ عَينٍ أثرًا؟! وبعدَ عزٍّ خبرًا؟! وكيف نُقلوا من القصور إلى القبور، فأصبحوا مرتهَنينَ بالأعمال، فأصحابُ الحسناتِ هم الفائزون، وأصحابُ السيئاتِ هم الخاسرون النادمون.

وهل للموت من رادّ؟! وهل غير القرآن من هادٍ؟! إن في إقبال يوم وعام وإدبار يوم وعام لَعِبَرًا، فَيَومٌ تُخلِّفه لا يعود، ويومٌ تَستقبِلُه حتى ينتهي الأجل، وينقطع الأمل، قال تبارك وتعالى: (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى * وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى)[النَّجْمِ: 39-42]، فاعمَلْ لدار الخُلد التي لا يفنى نعيمُها ولا ينقص، بل هو في مزيد، لا يعتري شبابَ أهلها الهرمُ، ولا يخافون السقمَ، ولا يخافون الموتَ، قال الله -تعالى- فيها: (ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ * لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ)[ق: 34-35]، وقال تعالى: (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ * يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا تَأْكُلُونَ)[الزُّخْرُفِ: 70-73].

واتقوا النار التي لا يفتُر عن أهلها العذابُ، بامتثال أمر الله الأكيد، واتقاء غضبه الشديد، قال الله -تعالى-: (فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ * وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ * كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ)[الْحَجِّ: 19-22]، فاعملوا -عباد الله- لهذه الجنة العالية، واحذروا الذنوب التي تُلقي بصاحبها في النار الهاوية، واعلموا أنه ليس بين الإنسان وبين الجنة أو النار إلا الموت، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "‌بَادِرُوا ‌بِالْأَعْمَالِ ‌سَبْعًا: هَلْ تَنْظُرُونَ إِلَّا إِلَى فَقْرٍ مُنْسٍ، أَوْ غِنًى مُطْغٍ، أَوْ مَرَضٍ مُفْسِدٍ، أَوْ هَرَمٍ مُفْنِدٍ، أَوْ مَوْتٍ مُجْهِزٍ، أَوِ الدَّجَّالِ، فَشَرُّ غَائِبٌ يُنْتَظَرُ، أَوِ السَّاعَةِ، فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ" (رواه الترمذي)، وفي الحديث: "أكثِروا ذِكرَ هازم اللذات؛ الموت؛ فإنه ما ذُكر في كثير إلا قلَّلَه، ولا في قليل إلا كثَّرَه"، وقال صلى الله عليه وسلم: "كفى بالموت واعظًا". فاستودِعْ -أيها المسلمُ- أيامَكَ بما تَقدِر عليه من الحسنات، واحفظ صحيفتَكَ من السيئات، قال تعالى: (وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ)[الْبَقَرَةِ: 223]، وقال تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)[الْبَقَرَةِ: 110].

بارَك اللهُ لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإيَّاكم بما فيه من الآيات والذِّكْر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفِر اللهَ لي ولكم وللمسلمين من كل ذنب فاستغفِروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله، الحمد لله الذي يعلم السر وأخفى، قائمٌ على كل نفس بما كسبَتْ، يُحصي الأعمالَ، ويجزي عليها الجزاء الأوفى، أحمد ربي وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لَا شريكَ له، له الأسماء الحسنى، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبدُه ورسولُه المجتبى، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه ذوي الحلم والتقى.

أما بعدُ: فاتقوا الله حقَّ التقوى، وتمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى.

عبادَ اللهِ: إن الله قد فتح لكم أبواب الرحمة؛ بما شرع لكم من فعل الخيرات، وتَرْك المنكَرات، فلا يُغلِق أحدٌ على نفسه بابَ الرحمة بمحاربة الله بالذنوب، فقد قال تعالى: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ)[الْأَعْرَافِ: 156]، واغتنم أيها العبد زمن العافية، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ"(رواه البخاري)، وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل"(رواه البخاري ومسلم). ثم أختتم فضيلته تلك الخطبة بالصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم الدعاء .

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة