U3F1ZWV6ZTM1NTgxMTY5NjA2OTA3X0ZyZWUyMjQ0NzY3ODUyMjQwMg==

خطبة الجمعة من المسجد النبوي 17 رجب 1443

خطبة الجمعة من المسجد النبوي17 رجب 1443  

ألقى فضيلة الشيخ عبدالباري الثبيتي خطبة الجمعة من منبر المسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة 17 رجب 1443 بعنوان الاحسان سبيل الرضوان والفوز بالجنان، وتحدث فضيلته  عن بعض مظاهر فقد الإحسان وأثرها على المجتمعات  وكذلك معنى الإحسان وآثاره الطيبة  وأثر الإحسان على سلوك المسلم  أكتب ما قال فيها..

صورة الشيخ عبدالباري الثبيتي وهو في المنبر

عنوان الخطبة الإحسان سبيل الرضوان والفوز بالجنان

الخطبة الأولى: 

الحمد لله، الحمد لله الذي أخرَجَنا من الظلمات إلى النور، أحمده -سبحانه- وأشكره، أورَثَنا بالإيمان السعادةَ والسرورَ، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له القائلُ: (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ)[آلِ عِمْرَانَ: 185]، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبدُه ورسولُه، حثَّ على الطاعة والعمل المبرور، صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه، صلاةً دائمةً إلى يوم النشور.

أما بعدُ: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله؛ فهي سبيل النجاة في الدنيا والآخرة، قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، ويقول الله -عزَّ وجلَّ-: (إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا)[الْكَهْفِ: 30]، آية تُطيِّب نفوسَ المؤمنين وتُبشِّرهم وتُؤنِسُهم، ولم يَطرُق الآذانَ قولٌ أطيبُ ولا ألذُّ ولا أزكى ولا أحلى من هذا الوعد: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا)[الْكَهْفِ: 30]، والمؤمن يُصدِّق وعدَ الله، ويَثِق في عدله، وعلى يقين بفضله، هذه الآية تُحفِّز المسلمَ للنظر في أعماله، فالإسلام يريد أحسن العمل وأجوده، ومَنْ بذَل جهدَه واستفرَغ طاقتَه، واستحضَر الإخلاصَ، وأتقَن العملَ، ليبلغ في الأعمال الدينية والدنيوية الإحسانَ، فله عندَ ربِّه مرتبةٌ سَنِيَّةٌ، ويُكرِمه ربُّه بمحبتِه ومعيتِه ورحمتِه.

تئنُّ المجتمعات والأمم، من مظاهر فَقْد إحسان العمل، المتمثل في إهمال الأعمال، والتسيب في أوقات العمل، وضعف الإنتاج، وتضييع الأمانة، وقلة النزاهة، واتساع دائرة الفساد، فضلًا عن إحسان العمل، وتسنّ لذلك التشريعات الحازمة، والقوانين الصارمة، ومع أهميتها نجد أن الإسلام جاء بمنهج رباني لا مثيلَ له، وهدي نبوي لا نظير له، يُثمِر العلاجَ الناجعَ، والدواءَ الناصعَ، ينبثق هذا المنهجُ من المعنى الإيماني العميق الذي يُربِّي على الإحسان، ويزرع الإيمانَ، بيَّنَه رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-، بقوله: "الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك"(رواه البخاري)، وعلمنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن الإحسان يشمل شؤوننا كلها فقال: "إن الله كتب الإحسانَ على كل شيء"(رواه مسلم).

أن تعبد الله كأنك تراه، في الصلاة والصيام والحج والوضوء والصدقة وكل أنواع العمل، فإن لم تكن تراه فإنه يراكَ؛ أي: فإن لم تعبد الله على هذا الوصف فاعبُدْه على سبيل المراقَبة والخوف، هذا المعنى إذا رَسَخَ في النفوس وَوَعَتْهُ القلوبُ، ظهَر على السلوك، وحمل على إتقان العمل وإحكامه، وصلحت به أحوال البلاد والعباد، ذلك أنه يُحقِّق الإخلاصَ، ويُحيي مراقبةَ الله في كل شؤون حياة المسلم، في العبادات، والمعامَلات، والعلاقات والبيع والشراء، أن تعبد الله كأنكَ تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراكَ، يُوقِظ هذا المعنى ضميرَ المعلم، والطبيب، والمهندس، والمسؤول، ويدفع لتحقيق أعلى درجات الإتقان وتجويد العمل؛ لأنَّ الجميعَ حينَئذٍ يستشعر أن عملَه محل نظر الله، وهذا يُورِث التجردَ من النفاق والرياء، ويتجاوز مراقبةَ رئيسِه ومسؤوله، والسعي لشهرةٍ وسمعةٍ، إلى مراقبة الله، فتتقدم الأمم وتنهض، وتزداد صلاحًا وتنميةً ورقيًّا.

وما أُتيت المجتمعات من فساد وخلل إلا بسبب ضَعْف تحقيق الإحسان والإتقان في العمل، إذا رافق الإحسانُ المسلمَ في عبادته وصلاته وذَهابه ومجيئه وقيامه وقعوده، وفي مكان عمله سيصنع منه مسلمًا صادقًا، أمينًا، محسنًا في صنعته، متقنا في مهنته، مباركًا له في ماله وصحته وأولاده، يحوطه حفظ الله وتغشاه رحمته ومحبته، قال الله -تعالى-: (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)[الْبَقَرَةِ: 195]، وقال: (وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)[الْعَنْكَبُوتِ: 69]، وقال: (إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ)[الْأَعْرَافِ: 56]، والقرآنُ حافلٌ بنماذج من إحسان الله لمن أحسن؛ ليرى المحسن المتقن في عمله أثر الإحسان، وعظيم الجزاء وموفور العطاء من رب الأرض والسماء، وكيف يضيع إحسانُ صاحب الإحسان، وهو يسمع كلامَ الله العظيم الكريم الرزَّاق: (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ)[الرَّحْمَنِ: 60]، والقائل: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ)[يُونُسَ: 26].

لقد أحسَن إبراهيمُ -عليه السلام- في بر والده نصحًا وإرشادًا، فحفظ اللهُ له هذا الإحسان في بر ذريته له، وهدايتهم إحسانا بإحسان، قال الله -تعالى-: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا)[مَرْيَمَ: 41-42]، فكلُّ نصحٍ يُصدِّره بقوله: (يَا أَبَتِ)[مَرْيَمَ: 43]، التي تحمل غايةَ اللُّطف والرقة والأدب، فأكرَمَه اللهُ ببرِّ بَنِيه، فلما أُمر بذبح ابنه استسلَم الابنُ لأمر الله، والسمع والطاعة لوالده قائلًا: (يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ)[الصَّافَّاتِ: 102].

أَحْسَنَ نبيُّ اللهِ يوسفُ -عليه السلام- شكرَ نعمة الجَمال بالعفَّة والأمانة، فحفظ اللهُ إحسانه بالنبوة والسيادة وعلو المكانة، قال الله -تعالى-: (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ)[يُوسُفَ: 23]، فأحسَن اللهُ إليه بحفظه وتمكينه، ووصَفَه بأنه من المحسنين؛ (وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ)[يُوسُفَ: 56]، وأحسَن نبيُّ اللهِ أيوبُ -عليه السلام- صبرًا طويلًا على البلاء، فأحسَن اللهُ إليه خيرًا كثيرًا، من واسع رحمته وعظيم بركته، قال سبحانه: (إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ)[ص: 44]، وقال: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ)[الْأَنْبِيَاءِ: 84].

ولَمَّا نزَل على رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم- الْمَلَكُ بغارِ حراءَ قال لزوجه خديجة -رضي الله عنها-: "قد خشيتُ على نفسي. فقالت: أَبْشِرْ، فواللهِ لا يُخزِيكَ اللهُ أبدًا، واللهِ إنكَ لَتَصِلُ الرحمَ، وتَصدُقُ الحديثَ، وتَحمِلُ الكلَّ، وتَكسِبُ المعدومَ، وتَقرِي الضيفَ، وتُعِينُ على نوائبِ الدهرِ"(رواه مسلم)؛ فلن يُخزي الله مَنْ أحسَن إلى مجتمعه، ووطنه وأمته، بأعمال الخير والبر، وأحسَن الصِّدِّيقُ صحبةَ النبي -صلى الله عليه وسلم- وتصديقه، فأحسَن الله إليه خليلًا لخاتم النبيين، وخليفةً له في أُمَّتِه، يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- واصفًا فضل أبي بكر -رضي الله عنه-: "إنَّ مِنْ أَمَنِّ الناسِ عليَّ في صحبتِه ومالِه أبَا بكرٍ، ولو كنتُ متخِذًا خليلًا من أمتي لَاتخذتُ أبا بكر، إلا خلةَ الإسلام، لا يبقينَّ في المسجد خوخةٌ إلا خوخةَ أبي بكر"(رواه البخاري). وأحسَن ذو النورين فيما أمدَّه اللهُ به من المال صدقةً وإنفاقًا، فأحسَن اللهُ إليه أثرًا يمتدُّ وأجرًا لا يُحَدّ، وثراءً لا ينفد، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما ضرَّ عثمانَ ما عَمِلَ بعدَ اليوم -مرتين-"(رواه الترمذي). هذه النماذج -عبادَ اللهِ- تُبيِّن أن الله يجازي مَنْ أحسَن في عمله، بما هو أفضلُ وأكملُ وأشملُ وأعظمُ، قال الله -تعالى-: (إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا)[الْكَهْفِ: 30].

بارَك اللهُ لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإيَّاكم بما فيه من الآيات والذِّكْر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفِر الله العظيم لي ولكم فاستغفِروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 الخطبة الثانية:

الحمد لله حمدَ الشاكرينَ، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له وليُّ الصابرينَ، وأشهدُ أنَّ سيدنا ونبينا محمدًا عبدُه ورسولُه، المبعوثُ بالهدى والنور المبين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعدُ: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله -عز وجل-.

والإحسانُ في العمل هو إحسانٌ مِنْ نَفسِكَ لنفسِكَ، قال الله -تعالى-: (إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ)[الْإِسْرَاءِ: 7]، قال بعض السلف: "ما أحسنتُ إلى أحد، وما أسأتُ إلى أحد، وإنما أحسنتُ إلى نفسي وأسأتُ إلى نفسي"، وعلى المسلم أن يعلم أن إحسانه وفاء لنِعم الله، وشكره -سبحانه وتعالى- على ما منَّ به عليه، قال الله -تعالى-: (وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ)[الْقَصَصِ: 77]، فمَنْ وسَّع اللهُ عليه رزقًا أو مالًا أو جاهًا أو عِلمًا، فإنَّ عليه أن يشكر اللهَ على ذلك؛ بصرفه في الطرق التي شرَعَها، وقد شفَع -صلى الله عليه وسلم- لمغيث لدى زوجته بَرِيرَةَ -رضي الله عنها-، وأمَر أصحابَه بالشفاعة فقال: "اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا"(رواه البخاري ومسلم). ثم اختتم فضيلته تلك الخطبة بالصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم الدعاء .


تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة