U3F1ZWV6ZTM1NTgxMTY5NjA2OTA3X0ZyZWUyMjQ0NzY3ODUyMjQwMg==

خطبة الجمعة من المسجد النبوي 24 رجب 1443هـ

خطبة الجمعة من المسجد النبوي 24 رجب 1443

ألقى فضيلة الشيخ / أحمد طالب بن حميد خطبة الجمعة من منبر المسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة 24 رجب 1443 هـ بعنوان إستقامة القلوب تحدث فضيلته عن وجوب العناية بالقلب وإصلاحه وعلى المسلم أن يتقي الشهوات والشبهات  وكذلك ذكر بعض الأعمال التي تصلح القلب وتُرضي الرب  و ذكر خطورة الغفلة عن الآخرة أكتب اليكم ما قال فيها .

الشيخ أحمد طالب بن حميد وهو في المنبر

عنوان الخطبة إستقامة القلوب

الخطبة الأولى: 


إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيِّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومَنْ يُضلِلْ فلا هاديَ له، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ سيدنا ونبينا محمدًا عبدُه ورسولُه، -صلى الله عليه وآله وسلم-.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71].

أما بعدُ: فإنَّ أصدقَ الحديثِ كتابُ اللهِ، وخيرَ الهديِ هديُ سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمورِ محدثاتها، وكلَّ محدَثةٍ بدعةٌ، وكلَّ ضلالة في النار.

أيها المؤمنون: إن محلَّ نظر الرحمن من الإنسان هو مكنون الجَنان، وما يصدُر من القلب صلاحًا وفسادًا هو مثاقيل الميزان؛ (فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ)[الْقَارِعَةِ: 6-11]، وإنما تزلف الجنان لكل تقي أواب لربه التواب، رجاع حفيظ لحدود الله ما استطاع؛ (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ * لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ)[ق: 31-35]، فذاك المبشَّر برؤية وجه الله الكريم، وإنما البشارة لمن وعى النِّذارة، باتباع الذِّكر وخشية البَرِّ؛ (إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ)[يس: 11].

ومَنْ راقَب العزيز العليم، لقي الكريم بدعوة الخليل إبراهيم -عليه السلام- إذ قال: (وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ * يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)[الشُّعَرَاءِ: 87-88]، قلب سليم سلم من قذَر الشهوات وسَخَم الشُّبُهات، وأحاط قلبَه بحمى ربه؛ كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الحلال بين، والحرام بين، وبينهما مشتبهات لا يعلمهنَّ كثيرٌ من الناس، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدِينه وعِرضه، ومَنْ وقَع في الشبهات وقَع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى، يوشك أن يرتع فيه، ألَا وإنَّ لكل مَلِكٍ حِمًى، ألَا وإنَّ حِمَى اللهِ محارمُه، ألَا وإنَّ في الجسد مضغة، إذا صَلُحَتْ صَلُحَ الجسدُ كلُّه، وإذا فَسَدَتْ فسَد الجسدُ كُلُّه؛ ألَا وهي القلب"، فرحم الله عبدًا وبَّخ نفسَه، ثم لامَها فذمَّها، ثم خطَمَها فألزمها كتابَ الله، فكان له قائدًا، وجَلَا صدى قلبه بتلاوة القرآن، وألانه بتفقُّد الأيتام وإطعام المساكين، وأناره بدوام ذكر الله -عز وجل-، ومن كان ذاكرا كان مذكورا، ومن كان مذكورا كان عند أهل السماء مألوفا، وبالوصال معروفا، قال الله -عز وجل-: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ)[الْبَقَرَةِ: 152].

أيها المؤمنون: ما مِنْ عبدٍ إلا ولَه عينانِ في وجهه يُبصِر بهما أمرَ الدنيا، وعينانِ في قلبه يُبصِر بهما أمرَ الآخرة، فإذا أراد الله بعبده خيرًا فتَح عينيه اللتين في قلبه فأبصر بهما وعدَ الله بالغيب، فَأَمِنَ الغيبَ بالغيب، وإذا أراد به غير ذلك ترَكَه على ما فيه، قال الله -عز وجل-: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)[مُحَمَّدٍ: 24]، وهل إقفالها إلا مِنْ إغفالها؟ وخلوها مِنْ وازع إقبالها على ربها؟ فأنَّى لقلوب شُغلت بحُبِّ الدنيا عن الله -عز وجل- أن تجول في الملكوت ثم ترجع إلى أصحابها برائق الفوائد؟ وفائق العوائد؟ وكيف لقلب أن يخلو من حب الدنيا والعين إلى زينة أهلها ناظرة؟ والأُذُن إلى زخرف أقوالهم صاغية؟ فكان عاطلًا من الحكمة التي لا تنقش إلا بمداد النور على بياض القلب، وإنَّ القلبَ إذا عطل من الحكمة غلب عليه الجهل حتى يميته، فيرعى صاحبه كالنعم، ينام ملءَ عينه، ويأكل ملء بطنه، ويضحك ملء شدقيه، في النهار ساعٍ، وفي الليل لاهٍ؛ (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ)[الْأَعْرَافِ: 179]، والغافلون هم الكاذبون الذين لا يصدق لهم قول ولا فعل ولا توجه إلى الله -عز وجل-؛ (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ * أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ)[التَّوْبَةِ: 75-78]، أورثهم الكذب الختم على منافذ الخير؛ (خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ)[الْبَقَرَةِ: 7-10].

وأنَّى لقلب مختوم أن يُبصِر؟ (فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ)[الْحَجِّ: 46]، ومَنْ سِيقَتْ له أسباب الهداية وآياتها فلم يعقل جُوزِيَ بقسوة القلب؛ (وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)[الْبَقَرَةِ: 73-74].

بارَك اللهُ لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإيَّاكم بما فيه من الآيات والذِّكْر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفِر الله العظيم لي ولكم فاستغفِروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:


الحمد لله، حمدًا كثيرًا طيبًا مبارَكًا فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وصلاةً وسلامًا على خير خلق الله محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه ومَنْ والاه؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)[التَّوْبَةِ: 119]، واعلموا أن الله -تبارك وتعالى- قد ضرب لكم مثلًا عظيمًا، فيه بيان حالكم، ونجاتكم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ضَرَبَ الله -تَعَالَى- مَثَلًا صِرَاطًا - مُسْتَقِيِمًا، وعلى جَنْبَتَي الْصِّرَاطِ سُورَان فيهمَا أَبْوَابٌ مُفَتحةٌ - عَلَى الأَبَوَابِ سُتُورٌ مُرخَاةٌ، وَعَلَى بَابِ الصِّرَاطِ دَاعٍ يَقُولُ. يا أَيُّهَا النَّاسُ ادْخُلُوا الصِّرَاطَ جَميعًا، ولَا تَتَعَوَّجُوا، وداعٍ يدْعُو مِنْ فوقِ الصِّرَاطِ، فَإِذَا أَرَاد الإِنْسَانُ أَنْ يَفتَحَ شَيَئًا مِنْ تِلْك الأَبَوَابِ ‌قَال: ‌وَيحَكَ ‌لَا ‌تَفْتَحْهُ؛ فَإِنَّكَ إِنْ تَفْتَحْهُ تَلِجْهُ، فَالصِّرَاطُ: الإسْلَامُ، وَالسُّورَانِ حَدُودُ اللهِ، وَالأَبْوَابُ الْمُفتَّحَةُ: محَارمُ اللهِ -تعالى-، وذَلِكَ الدَّاعِي عَلى رَأسِ الصِّراطِ: كِتَابُ اللهِ، والدَّاعِي مِن فَوْق الصراط: وَاعظُ اللهِ في قَلْب كُلِّ مُسْلِمٍ"، قال الله -عز وجل-: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ)[ق: 37]. و أختتم فضيلته تلك الخطبة بالصلاة والسلام على رسول الله صلى الله علية وسلم الدعاء ..

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة