U3F1ZWV6ZTM1NTgxMTY5NjA2OTA3X0ZyZWUyMjQ0NzY3ODUyMjQwMg==

بر الوالدين

بر الوالدين



بر الوالدين 

بر الوالدين كما يجب أن يكون


 الأبوان - هما للأولاد في مهامه دنياهم، كالشمس والقمر، بهما يستضيئون دروبهم، ويؤنسون وحشتهم، ويستلهمون سلوتَهم، فهما كما قال يوسف لأبيه عن رؤياه: (يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ)[يُوسُفَ: 4]، فكأن الأب شمسٌ؛ لِمَا يبذله من الكدح والكسب لولده في النهار، وكأنَّ الأمَّ قمرٌ؛ لِمَا تُوليه من سهر له وشفقة عليه في الليل.الأبوان هما من يبكيان ليبتسم أولادُهما، وهما مَنْ يحزنان ليفرح أولادهما، وهما مَنْ يشقيان ليسعد أولادهما، إنهما اللذان يجوعان ليشبعوا، ويعطشان ليرتووا، إنهما -في الحقيقة- كتلكم الشمعة التي تحترق حتى تذوب ليستضيء الأولاد باحتراقها، إنه قلب الأم، والله -جل وعلا- يقول: (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا)[الْقَصَصِ: 10]، وإنها عينُ الأب، واللهُ -جل شأنه- يقول (وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ)[يُوسُفَ: 84].فيا لله ما أسعدَ مَنْ مات عنه أبواه، أو هو مات عنهما وهما عنه راضيان، لِلَّهِ ما أسعدَه وما أهناه، ولله ما أحسَنَ ما جاء عن إياس بن معاوية أنه لما ماتت أمه بكى عليها بكاء شديدًا، فلما سئل قال: كان لي بابان مفتوحان إلى الجنة، فأُغلِقَ أحدُهما.ثم يا لله ما أخيب من ماتا عنه ،أو مات عنهما، وهما عليه غاضبان، ألَا ما أضلَّه وما أخسَرَه، بعدًا له وسحقًا، فإن الله قد قرن الإحسان بهما مع عبادته فقال: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)[النِّسَاءِ: 36]. وقرن شكرهما مع شكره فقال: (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ)[لُقْمَانَ: 14]، بل إن الله -جل وعلا- جعل بر الوالدين من أسباب قبول العمل، والتجاوز عن السيئات، كما قال في كتابه: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ)[الْأَحْقَافِ: 15-16]. وقد قال الفاروق - رضي الله عنه- لأويس القرني: "سمعتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "يأتي عليكم أويس بن عامر..." الحديث، إلى أن قال: "له والدة هو بها بر، لو أقسم على الله لأبره، فإن استطعتَ أن يستغفر لك فافعل"، فاستغفر لي فاستغفر له"(رواه مسلم).إنه لن يحبك أحدٌ كحب والديكَ لكَ؛ إنهما يأخذان من نفسيهما ليمنحانِكَ، نعم قد لا يمنحانك كلَّ شيء تريده، لكنهما - دون ريب- قد منحاكَ ما يملكانه. إذا عُلِمَ ذلكم - فإن البِرَّ أمانةٌ يحملها الأولاد على عاتقهم ما داموا أحياء، فالبِرُّ لا يَهرَمُ ولا ينبغي له أن يهرم، بل لا تزيده الأيامُ والسنون إلا جمالًا وصلابةً وتجدُّدًا، فبرُّ الوالدين ينبغي أن يكون شابًّا لا يشيخ، وإن شاخ الآباء والأولاد، ولا ينبغي أن يكون عبئًا ثقيلًا يتقاسمه الأولاد بينهم تقاسمًا وظيفيًّا، خروجًا من المسؤولية وانسلالًا من التبعية، وإنما البر -في الحقيقة- دِينٌ ودَينٌ، فهو سباق دينيّ أخرويّ يتلذذ به البارُّ ليُفضي به إلى باب من أبواب الجنة، وكذاك هو وفاء دَين دنيوي، يقضي به المرء ما في ذمته لوالديه من معروف، وإنه مهما قضى من ذلكم المعروف فلن يوفيهما حقَّهما بالغًا ما بلَغ من الجهد والبر، فقد رأى عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما- رجلًا من أهل اليمن حمَل أمَّه على عنقه، فجعل يطوف بها حول البيت، وهو يقول:

إني لها بعيرُها المذلَّلُ *** إن أُذعرت ركابُها لم أُذعَرِ

الله ربي ذو الجلال الأكبر، حملتها أكثر مما حملتني 

فهل ترى جازيتها يا ابن عمر: قال: "لا، ولا بزفرة من زفراتها"؛ يقصد زفرات الولادة ،ثم اعلم أيها الأب، واعلمي أيتُها الأمُّ: أن بر الوالدين نتيجةٌ لمقدمة سابقة من التربية الصالحة، والعاطفة الحميدة، والبذل الحسن، فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم؛ ليكونوا لكم في البر سواء. دخل الأحنف بن قيس على معاوية بن أبي سفيان، ويزيد ابنه بين يديه، فقال معاوية سائلًا الأحنفَ: يا أبا بحر، ما تقول في الولد؟، فقال الأحنف: يا أمير المؤمنين، هم عمادُ ظهورِنا، وثمرُ قلوبِنا، وقرَّة عيوننا، بهم نصول على أعدائنا، وهم الخَلَفُ منَّا لمَنْ بعدنا، فكن لهم أرضًا ذليلةً، وسماءً ظليلةً، إن سألوك فأعطهم، وإن استعتبوكَ فأعتبهم، لا تمنعهم رفدكَ فيملُّوا قربَكَ، ويكرهوا حياتكَ، ويستبطئوا وفاتَكَ، فقال معاوية: لله درُّكَ يا أبا بحر، هم كما وصفتَ".

فهل ترى جازيتها يا ابن عمر: قال: "لا، ولا بزفرة من زفراتها"؛ يقصد زفرات الولادة. لقد ضرَب لنا سلفُنا الصالحُ أروعَ الأمثلة في البِرِّ بالوالدينَ، حتى إن أحدَنا ليحقر برَّه أمام برهم، وإن من برهم بوالديهم ما جاء عن أسامة بن زيد: "فقد كانت النخلة تبلُغُ بالمدينة ألفًا، فعمَد أسامةُ بنُ زيد إلى نخلةٍ فقَطَعها من أجل جُمَّارها، فقيل له في ذلك، فقال: إن أمِّي اشتهَتْه علَيَّ، وليس شيء من الدنيا تطلبه أمِّي أقدر عليه إلا فعلتُه". وكان أبو هريرة رضي الله -تعالى- عنه إذا أراد أن يخرج من بيته وقَف على باب أمه فقال: "السلام عليكِ يا أماه، ورحمة الله وبركاته، فتقول: وعليكَ السلامُ ورحمة الله وبركاته، فيقول: رَحِمَكِ للهُ كما ربيتِني صغيرًا، فتقول: رحمك الله كما بررتَني كبيرًا".


تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة