U3F1ZWV6ZTM1NTgxMTY5NjA2OTA3X0ZyZWUyMjQ0NzY3ODUyMjQwMg==

خطبة الجمعة من المسجد النبوي 8 شعبان 1443

 خطبة الجمعة من المسجد النبوي 8 شعبان 1443

ألقى فضيلة الشيخ الدكتور صلاح البدير خطبة الجمعة من المسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة 8 شعبان 1443 بعنوان رخص الشريعة في إفطار رمضان تحدث فيها عن يُسْر الشريعة الإسلامية و تيسير الشريعة إباحة الفطر لأصحاب الأعذار وكذلك بعض أحكام أكتب ما جاء فيها ..

الشيخ صلاح البدير وهو في المنبر


الخطبة الأولى:

الحمد لله، فرَض صومَ رمضان وقضى، وأمَر مَنْ فوَّت الأداءَ بالقَضَا، وأشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، شهادةً تشفي المريضَ الهالكَ المُحرَضَا، وتُنِيل أهلَ التوحيد العلوَّ والسموَّ والقربَ والرِّضَا، وأشهدُ أنَّ نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه، أوضَح حججَ الدِّينِ وأحكامَ العبادةِ، ويا فوزَ الطائعينَ ويا خسارةَ مَنْ كان مُعرِضًا، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه، صلاةً دائمةً ما روَّض السيلُ أرضًا وتناهى النبتُ مستروِضًا.

أما بعدُ، فيا أيها المسلمون: اتقوا الله بحُسن النية والعمل، وأدُّوا ما وجَب قبل حلول الأجل؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)[الْحَشْرِ: 18].

أيها المسلمون: شرَع اللهُ لنا برأفتِه وسعةِ رحمتِه شرعًا عدلًا سهلًا سمحًا، لا حرجَ فيه ولا إصرَ ولا عُسرَ، ومِنْ يُسر الشريعة الحنيفية دفعُ المشقَّة، ورفعُ الحَرَجِ، وإزالةُ العنتِ والضيقِ عن المكلَّف، والترخيصُ والتوسيعُ له، واستثناؤه من بعض الأحكام الكلية الأصلية؛ لعذر يقتضي التخفيفَ والتسهيلَ والتيسيرَ، ومِنْ رُخَصِ الشريعةِ وتخفيفاتها، الترخيصُ لأهل الأعذار بالفطر في رمضان؛ تيسيرًا عليهم ورحمةً بهم، ومَنْ ترخَّص بالفطر في رمضان، وجَب عليه تعلُّمُ أحكام صوم القضاء وكيفيته، حتى يؤدِّي ما وجَب عليه بعلمٍ وبصيرةٍ، ويَخرُجَ من عُهدةِ الأمرِ والتكليفِ بيقينٍ، ويَحسُن تذكُّر هذا الموضوع والتذكير به قبلَ دخول شهر رمضان؛ ليستدركَ العبدُ ما فاته، بلَّغَنا اللهُ وإياكم شهرَ رمضان، ونحن نرفُل في دوحة الأمن والأمان، والسلامة والإسلام.

أيها المسلمون: ومَنْ فاتَه أداءُ صوم رمضان في وقته وجَب عليه قضاؤه؛ لأن القضاء يَتبَع المقضيَّ عنه، فما كان من الصيام واجبًا كان قضاؤه واجبًا؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم- لأُمِّ هَانِئٍ -رضي الله عنها-: "إِنْ كان قضاءً من رمضان فاقضِي يومًا مكانَه، وإن كان تطوُّعًا فإن شئتِ فاقضِ، وإن شئتِ فلا تقضي" (أخرجه أحمد والنسائي)، وقال جل وعز: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ)[الْبَقَرَةِ: 185]؛ أي: عدة ما أفطرتُم وترخصتُم، وتُكمِلوا أيامَ الشهر بالأداء والقضاء.

أيها المسلمون: ولا يلزم الكافرَ الأصليَّ إذا أسلَم قضاءُ الصوم الواجب الذي لم يصمه في زمن كُفره؛ لأن الإسلام يَجُبُّ ما قبلَه من حقوق الله -تعالى-، ولِمَا في إيجابه من التنفير عن الإسلام، وإن أسلَم الكافرُ في شهر رمضان أو في آخِر يومٍ من رمضان، صام ما يَستقبل من بقية شهره، وأما قضاء ما مضى من الشهر قبلَ إسلامه فلا يَجِبُ، وأمَّا اليوم الذي أسلَم فيه، فيلزمه إمساكُ بقية النهار تشبُّهًا بالصائمين، وقضاءُ ذلك اليوم، قال ابن وهب عن مالك: "أَحَبُّ إليَّ أن يقضيه"، وقيل: "لا يلزمه القضاءُ؛ لأن أهلية الوجوب منعدمة في أوله، والصوم الواجب لا يتجزأ، فلا يجب القضاء".

ومَنْ ترَك صومَ رمضان جحودًا واستحلالًا فهو كافر مرتدّ؛ لأنه أنكَر ركنًا من أركان الإسلام، وفرضًا ثابتًا بالكتاب والسُّنَّة والإجماع، وإذا أسلَم المرتدُّ لم يلزمه قضاءُ ما ترَكَه من الصيام زمنَ ردته، في أصح قولي العلماء، ومَنْ ترَك صومَ رمضان كسلًا وتهاونًا وتساهلًا، بلا مرضٍ ولا غرضٍ، وهو مُقِرّ بوجوبه فلا يَكفُر، ولكنَّه عصى اللهَ ورسولَه -صلى الله عليه وسلم-، وأتى كبيرة من كبائر الذنوب، ووجَب عليه التوبةُ من تفريطه، وقضاءُ الأيام التي أفطَرَها، في أصحِّ قولَي العلماء، قال ابن عبد البر: "وأجمعتِ الأمةُ ونقلتِ الكافةُ فيمَنْ لم يَصُمْ رمضانَ عامدًا، وهو مؤمنٌ بفرضه، وإنما تركه أشَرًا وبَطَرًا، تعمَّد ذلك ثم تاب عنه، أن عليه قضاءه"، وقال ابن قدامة: "لا نعلم في ذلك خلافًا؛ لأن الصوم كان ثابتًا في الذمة، فلا تبرأ منه إلا بأدائه، ولم يُؤَدِّهِ، فبقي على ما كان عليه".

ولا يجوز صومُ يومَي العيدينِ أو أيام التشريق الثلاثة عن قضاء رمضان، فمن فعل لم يجزئه، وصومه باطل، ووجَب عليه قضاء آخر، على الصحيح من قولَي العلماء، وينبغي لمن عليه صوم واجب أو قضاء من رمضان تقديمه على التطوع بالصوم؛ لأن الذمةَ مرتهَنةٌ بالقضاء الواجب، فيسعى في براءتها، ثم يتطوع بما أحب، فإن صام تطوُّعًا قبل القضاء صحَّ صومُه على الصحيح من أقوال العلماء؛ لاتساع الوقت للأمرين؛ التطوع والقضاء.

ومَنْ أفطَر رمضانَ أو بعضَه بعذرٍ شرعيٍّ فعليه القضاء بعدد الأيام التي أفطر ولا كفارة عليه؛ لقوله جل وعز: (وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)[الْبَقَرَةِ: 185]، ولحديث مُعاذَةَ في شأن الحائض قالت: "سألتُ عائشةَ فقلتُ: ما بالُ الحائضِ تقضي الصومَ ولا تقضي الصلاةَ؟ فقالت: كان يُصِيبنا ذلك، فنُؤمر بقضاء الصوم ولا نُؤمَر بقضاء الصلاة"(أخرجه مسلم).

والقضاء على التراخي لا على الفور، بشرط أن يقع قبل إهلال رمضان التالي، في أصح قولَي العلماء؛ لحديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: "إن كانت إحدانا لَتُفطِرُ في زمان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فما تَقدِر أن تقضيه مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى يأتي شعبان"(متفق عليه، واللفظ لمسلم).

وتُستحَبّ المبادَرةُ إلى القضاء؛ لأن المبادرة إلى امتثال الطاعات أَوْلَى من التراخي عنها، ولأن العبد لا يدري ما يعرض له من الشواغل والصوارف، ولا يجب التتابعُ في قضاء رمضان على الصحيح من قولَي العلماء، وهو قولُ جمهورِ السلفِ والخَلَفِ، ويصوم القضاءَ حسبَ ما يتيسَّر له، إن شاء وصَل وإن شاء فرَّق، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "لا بأسَ أن يُفَرّقَ"، ويستحب التتابعُ إن أمكن؛ لأنه أنجزُ وأعجلُ وأبرأُ وأشبهُ بالأداء، فإن لم يبق من شعبان إلا ما يتسع للأيام الواجبة عليه وجَب أن يصومها تباعًا؛ لتضيُّقِ وقتِ القضاءِ.

أيها المسلمون: ولا يصحُّ صيامُ الواجب إلا بنيَّة من الليل، ويصحُّ صومُ النَّفْل بنيةٍ من النهار، ولا يصحُّ صومُ القضاء بنيةٍ من النهار، بل يجب أن يُحكِم النيةَ والعزيمةَ من الليل، وينويَ القضاءَ قبل طلوع الفجر، فإن لم يعزم مِنَ الليل لم يُجزئه؛ لحديثِ حفصةَ -رضي الله عنها-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "مَنْ لم يُجمِعِ الصيامَ قبلَ الفجرِ فلا صيامَ له"(أخرجه أحمد).

ومَنْ شرَع في صوم يوم من أيام القضاء وتلبَّس به، وجب عليه إتمامه وإكماله، ولم يَجُزْ له قطعُه وإبطالُه والإفطارُ والخروجُ منه؛ إلا بعذر شرعي؛ لأن قضاء رمضان فريضة، ومَنْ تعمَّد الفطر في صوم القضاء عالِمًا بالتحريم فقد أساء وتعدَّى وظلَم، ووجَب عليه التوبةُ وصومُ يومٍ مكانَه.

أيها المسلمون: ويجوز صوم القضاء في عشر ذي الحجة أو في يومَي الإثنين والخميس، ولكن لا يجوز التشريك بين قضاء رمضان وصوم التطوع في نية واحدة في أصح أقوال العلماء، ولا يجوز صيام التطوع بنيتينِ؛ نيةِ القضاء ونيةِ التطوع، ويجب إفرادُ نيةِ القضاءِ عن نيةِ صيامِ عشر ذي الحجة، وعن صيام تاسوعاء وعاشوراء، وعن صيام التطوع، ولا يَجمَع بين النيتين؛ فإما أن ينوي التطوع أو ينوي القضاء.

ومتى أفرَد القضاء بالنية لم يحصل على فضل صوم التطوع فيها؛ لعدم الدليل على ذلك، وإن أخلى الأيام الفاضلة التي ندَب الشارعُ صومَها؛ كعشر ذي الحجة للتطوع، وجعَل القضاء في غيرها فهو أفضل؛ ليحوزَ فضيلةَ التطوع بالصوم في وقت، وفريضة القضاء في وقت آخر.

أيها المسلمون: ولا يجوز تأخير قضاء رمضان إلى رمضان آخر بلا عذر، في أصح قولَي العلماء، ومَنْ أخَّر قضاء رمضان حتى أدركه رمضان آخر فله حالتان:

الحالة الأولى: أن يُفطِر في رمضان لمرض أو سفر، ثم يتمادى به المرض أو السفر إلى رمضان آخَرَ، فيجب عليه أن يصوم شهر رمضان الداخل عليه، ثم يقضي بعد ذلك ما فاته من رمضان السابق، ولا إطعام عليه؛ لأنه لم يُفرِّط.

الحالة الثانية: أن يَزُول عذرُه، ويتمكَّن من القضاء ويُفرِّطَ أو يؤخر القضاء بلا عذر شرعي، فعليه القضاء إجماعًا، وعليه مع القضاء كفارة؛ وهي إطعام مسكين عن كل يوم فرَّط فيه، وأخَّر قضاءه إلى رمضان آخَرَ، في أصح قولَي العلماء، وبه أفتى جمعٌ من الصحابة، فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "مَنْ فرَّط في صيام شهر رمضان حتى يدركه رمضان آخر فليصم هذا الذي أدركه، ثم ليصم ما فاته، ويُطعِم مع كل يومٍ مسكينًا"(أجرحه الدارقطني)، ومقدارُه نصفُ صاع، كيلو ونصف من البُرّ أو الأُرْز أو التمر أو غير ذلك ممَّا يقتاتُه أهلُ البلد، ويجوز الإطعام قبل القضاء ومعَه وبعدَه، والأفضلُ تقديمُه مسارعةً إلى الخير، وتخلُّصًا من آفات التأخير والنسيان.

ومن كان عاجزًا عن إخراج الإطعام، بقي دَينًا في ذمته، يُخرِجه متى تيسَّر له إخراجُه، ولا يَسقط إطعامُ مَنْ أخَّر قضاءَ رمضان عنه بحال.

ومَنْ وجب عليه قضاء يوم فأخَّرَه رمضانينِ فصاعدًا، أو أخَّرَه سنينَ، فيكفيه كفارةٌ واحدةٌ عن اليوم الفائت الواحد، ولا تتكرر كفارة تأخير صوم القضاء، بتكرُّر السنين، في أصح قولي العلماء.

جعلني الله وإياكم من السابقين بالخيرات، المقيمينَ للصلوات، المؤدينَ للمفروضات.

أقول ما تسمعون وأستغفِر الله فاستغفِروه، إنه كان للأوابينَ غفورًا.


الخطبة الثانية:


الحمد لله آوى مَنْ إلى لُطفه أوى، وأشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، داوى بإنعامه مَنْ يئس من أسقامه الدوا، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبدُه ورسولُه، مَنِ اتّبَعَه كان على الهدى، ومَنْ عصاه غوى وفي الرَّدَى ردَى، صلَّى اللهُ عليه وعلى آله وأصحابه، صلاةً تبقى، وسلامًا يَترَى.

أما بعدُ، فيا أيها المسلمون: اتقوا الله وراقِبوه وأطيعوه ولا تعصوه؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)[التَّوْبَةِ: 119].

أيها المسلمون: ومَنْ مات وعليه قضاءُ رمضان أو بعضِه فله حالتان:

الحالة الأولى: أن يكون الشخص المتوفَّى معذورًا في تفويت الأداء ولم يتمكَّن من القضاء ودام عذرُه إلى الموت، كمَنِ اتَّصَلَ مرضُه أو سفرُه أو إغماؤُه أو حيضُها أو نفاسُها أو حملُها أو إرضاعُها، ونحو ذلك بالموت، فلا يجب شيءٌ على ورثته، ولا في تَرِكَتِه لا صيامٌ ولا إطعامٌ.

الحالة الثانية: أن يُفوِّت الشخصُ المتوفَّى الصيامَ بعذرٍ أو بغيره، ويتمكَّن من قضاء الصوم، ولكنه فرَّط ولم يَصُمْ حتى نزَل به الموتُ، فيجب في تَرِكَتِه لكلِّ يومٍ نصفُ صاعٍ من طعام، فإِنْ لم تكن له تركةٌ فلا شيءَ عليه، ويُشرَع لوليِّه أن يصوم عنه، ويصحُّ ذلك ويُجزئه عن الإطعام، وتَبرَأُ به ذمةُ الميت؛ لحديث عائشة -رضي الله عنها-، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ مات وعليه صيامٌ صامَ عنه وليُّه"(متفق عليه)، قال النوويُّ: "والمراد بالوليِّ القريبُ، سواء كان عَصَبةً أو وارثًا أو غيرَهما"، وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، إن أمي ماتت وعليها صوم شهر. أفأقضيه عنها؟ قال: نعم؛ فدَيْنُ اللهِ أحقُّ أن يُقضى"(متفق عليه)؛ فدلَّ الحديثانِ أنه يُشرَع لقريبه قضاء صوم رمضان عنه، وإن صام عنه من ليس بقريب له بإذن ولي الميت جاز وأجزأ؛ لأن الشارع شبهه بالدين يكون على الميت، والدين يصح قضاؤه من القريب والبعيد، وإن صام عن الميت رجل واحد قضاء رمضان كله أجزأ، وإن اقتسمه اثنان أجزأ، وإن اشترك فيه جماعة أجزأ، قال الحسن: "إن صام عنه ثلاثون رجلًا يومًا واحدًا جاز".

أيها المسلمون: ومَنْ مات وعليه كفارة عن الجِماع في نهار رمضان وقد خلَّف تركةً فيجب العتق عنه من رأس ماله وأصل تركته قبل قسمتها، سواءٌ كان بوصية منه أو بغير وصية، ويجوز أن يتطوع بالعتق عنه وارث أو غير وارث؛ لأنه في حُكم الدَّين، فإن لم يترك المتوفى مالًا، أو عجَز عن عتق الرقبة أو تعسَّر عليه وجودها، وتمكَّن من الصيام في حياته، ولكنه لم يصم، وفرَّط مع قدرته عليه، فقد ذهَب بعضُ الفقهاء إلى أنه لا يجزئ صوم كفارة عن ميت وإن أوصى به؛ لأنها وجبت على طريق العقوبة، والأصح دليلًا ونظرًا أنه يُشرَع لوارثه أو قريبه أن يصوم عنه شهرين متتابعين؛ لعموم قوله -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ مات وعليه صومٌ، صام عنه وليُّه"، ولا يجوز أن يشترك في صيام الكفارة اثنان أو جماعةٌ، بل يتولَّى صيامَها شخصٌ واحدٌ، وكفارةُ الجِماع إنما تجب على مَنْ جامَع في صوم شهر رمضان؛ لحرمة الزمان، ولا تجب كفارةُ الجماعِ على مَنْ جامَع في صوم القضاء، في أصح قولَي العلماء، ولا يحل لزوجِ المرأةِ إذا كانت متلبِّسةً بصوم القضاء أن يأمُرَها بالإفطار، أو أن يُفسِد صيامَها بالجِماع.

جعَلَني اللهُ وإياكم من الهُداة المهتدين، وفقَّهَنا في الدِّين، وفتَح لنا أبوابَ الرزق والبركة والتوفيق، وعافانا من كل هم وكرب وضيق. وأختتم تلك الخطبة بالصلاة والسلام على رسول الله صلى الله علية وسلم ثم الدعاء


تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة