U3F1ZWV6ZTM1NTgxMTY5NjA2OTA3X0ZyZWUyMjQ0NzY3ODUyMjQwMg==

الإستعداد لإستقبال شهر رمضان

الإستعداد لإستقبال  شهر رمضان



اللهم بلغنا شهر الرحمات

 اللهم بلغنا شهر الرحمات والبركات

إنَّ ممَّا يتجلَّى في أحكام الصوم في رمضان، والحِكَم العظيمة التي يهدف إليها الصيام؛ اليُسْرَ والسماحةَ التي بُنِيَ عليها دينُ الإسلام، كما هو في سائر فرائض الدِّين وواجباته العظام، مع تحقيقِ العبوديةِ لربِّ البريةِ، ومراعاةِ المصالحِ الشرعيةِ، والمسلمُ -حقًّا- مَنْ كان على بيِّنة من أمره، يعرف هُويتَه وهدفَه الذي يجب أن يحقِّقَه في حياته؛ فهو موحِّدٌ لله، عابدٌ له، مخلِصٌ له الدينَ، مستسلِمٌ خاضعٌ لربه، منقادٌ له بالطاعة، مجيبٌ لدعوته، مستقيمٌ على شِرْعَتِه، وفقَ ما أراد اللهُ، فلا ينحرف عن الجادَّة بغلوٍّ أو جفاءٍ، وهذه الأوصاف والخصائص تنتظم كلَّ مسلم موحِّد لَزِمَ دينَ الإسلام الذي ارتضاه اللهُ لنا، ولا يَقبل من أحدٍ سواه؛ كما قال تعالى: (وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)[الْمَائِدَةِ: 3]، وقال جلَّ شأنُه: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[آلِ عِمْرَانَ: 85]، وهو دين الوسط في كل الأمور؛ عقيدةً وشريعةً وآدابًا وأخلاقًا. أمَّا عن هدف المسلم في الحياة؛ فقد بيَّنَه اللهُ -جلَّ في علاه- بقوله: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)[الذَّارِيَاتِ: 56]، فينحصر الهدفُ الذي خَلَقَ اللهُ الخلقَ من أجله في عبـادة الله. أيها المسلم لقد أكرمنا الله بهذا الدين الحنيف، واختار شرعًا سمحًا ميسَّرًا، لا مشقةَ فيه ولا عسرَ، وهذا من مظاهر عظمة هذا الدين؛ قال تعالى: (مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)[الْحَجِّ: 78]، فما أمَر اللهُ -سبحانه- وألزَم إلا بما هو سهلٌ على النفوس، لا يُثقِلُها ولا يشقُّ عليها، ثم إذا عَرَضَ بعضُ الأسباب الموجبة للتخفيف، خَفَّف ما أَمَرَ به؛ إمَّا بإسقاطه أو إسقاطِ بعضِه، وقد أكَّد -صلى الله عليه وسلم- على سماحة هذا الدين ويسره بقوله: "أحبُّ الأديان إلى الله -تعالى- الحنيفيةُ السمحةُ". كما أن أيام الصيام معدودةٌ، لا تزيد عن ثلاثين يومًا، فهو شهرٌ واحدٌ من بين اثنَيْ عَشَرَ شهرًا ، وهو من طلوع الفجر وحتى غروب الشمس، وليس اليوم كاملًا، فانظر – يا عبد  الله- كيف أن الله لم يكلفنا عنتًا، ولم يأمرنا بما لا نطيق، ومع هذا فَمِنَ الناسِ مَنْ يتلاعب بأحكام الشريعة، ويأخذ من الدين ما يهوى، ويترك ما لا ما يُوافِق هواه، وتصلُ به مسألةُ اليسر إلى أن يَخرُج بالشريعة عن معناها وحدودها؛ فيحتالَ على أحكام الشرع، وهذا من صور الاستهزاء، ومن طريقة بني إسرائيل، الذين أحلُّوا ما حرَّم الله بأدنى الحِيَلِ، وآمَنُوا ببعض ما أُمِرُوا به وكفروا ببعضه، فعاب الله عليهم بقوله: (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ)[الْبَقَرَةِ: 85]. ومن الأمور التي نستفيدها من شهر رمضان؛ تميزنا بعقيدتنا وشريعتنا عن غيرنا، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ)[الْبَقَرَةِ: 183]، فبَدَّلَ أهلُ الكتاب وحرَّفوا ما أمَرَهم اللهُ به، وفرَضَه عليهم؛ من الصيام وغيره، وعصَم اللهُ هذه الأمةَ من التغيير والتبديل في أحكام دينها، ومن الأمور التي نستفيدها كذلك في رمضان أن يربي العبدُ نفسَه على الإخلاص، قال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه"، فمعنى "إيمانًا" أي: إيمانًا بالله ورسوله، وتصديقًا بفرضية الصوم، وما أعدَّ اللهُ -تعالى- للصائمين من جزيل الأجر، ومعنى "احتسابًا" أي: طلبًا للأجر والثواب؛ بأن يصومه إخلاصًا لوجه الله -تعالى-، لا رياء ولا تقليلدًا ولا غير ذلك من المقاصد. فالحذرَ الحذرَ -عباد الله- من الغفلة والإعراض عن الله -تعالى-، بل علينا أن نَجِدَّ ونجتهدَ؛ فنُرِيَ اللهَ من أنفسنا خيرًا في هذه الأيام والليالي المبارَكة، ونُقبِلَ على التوبة النصوح، ونتعرَّضَ لنفحات الجليل، ونَضرِبَ بسهمٍ في كل عمل صالح مستطاع، وأن نُكثِر من ذكر الله، ونحافظ على الصلوات المفروضة، ولا نفرِّطَ فيها أو نتكاسلَ عنها، ونحرصَ على الصدقة وبَذْل المعروف والمساهَمة في أوجُه الخير، والمشارَكة في أبواب البِرِّ؛ وقال صلى الله عليه وسلم: "الكيِّس مَنْ دان نفسَه، وعَمِلَ لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسَه هواها وتمنَّى على الله"(حديث حسن). والمحاسَبة للنفس تكون فيما مضى وفي يومك، وفي مستقبلك بالتوبة من جميع الذنوب، وبالمحافظة على الصالحات من المبطِلات، وبالازدياد من الخيرات، كما أن الشقاوة والخذلان والخسران في اتباع الهوى وركوب المحرَّمات، وترك الطاعات، أو اقتراف ما يُبطل الحسناتِ، وبحسب امرئ من الشر أن يأتي ما ينقص به ثواب الطاعات. أيها المسلم عظِّم نعمةَ الإيمان، وعظِّموا نعمةَ القرآن، فما أُعطي أحدٌ عطاءً أفضلَ من الإيمان والقرآن، وما صام مسلم رمضان إيمانا واحتسابا إلا نال من الإيمان، ونال من بركات القرآن، وأهلُ القرآنِ هم مَنْ عَمِلَ به، ولو لم يكن حافظًا، ومن لم يعمل بالقرآن فليس من أهل القرآن ولو كان حافِظًا له، وأول نعمة على الأمة بالهداية والرحمة العامة والخاصة والحياة الكريمة هي نزول القرآن في رمضان، فنزول القرآن في شهر الصيام مبدأ الخيرات والبركات وإصلاح الحياة، والفوز في الآخرة بأعلى الدرجات، ومبدأ النور وانكشاف الظلمات ورفع الجهل والضلالات، قال الله -تعالى-: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)[الشُّورَى: 52]، والقرآن له سلطان وتأثير عظيم على الروح في رمضان؛ لضَعْف نوازع الشر، وقوة صفات الخير بالصيام، وضَعْف تسلُّط الشيطان، فأكثِروا من تلاوته وتدبره، وعملوا به، ولن يُصلح حالَ المسلمين إلا القرآنُ والسُّنَّةُ، والصيام فرصة سانحة لتربية النفس على قوة الإرادة وتقوية وازع الإيمان؛ فالعبد يقهر نفسه، ويصبر على الجوع والعطش والشهوة، وفي هذا ترويض للنفس على ترك مألوفاتها؛ كما في الحديث القدسي: "يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي". أيها السلم من فضل الله ومنته جعَل شهرَ رمضانَ مضمارًا لخلقه، يستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته، فبادِر -وفَّقَك اللهُ- إلى الخيرات،  أوصى أبو ذر - رضي الله عنه-  أصحابه يومًا فقال: "إن سفر القيامة طويل، فخُذوا ما يصلحكم، وصُوموا يومًا شديد الحر لحر يوم النشور، وصلُّوا ركعتين في ظلمة الليل، لظلمة القبور، وتصدَّقوا بصدقة السر ليوم العسر". ولَمَّا قيل للأحنف بن قيس: "إنك شيخ كبير، والصوم يُضعِفُكَ. قال: إني أُعِدُّ لسفر طويل، والصبر على طاعة الله أهون من الصبر على عذاب الله". فاللهم أيقظنا من رقدات الغفلة، ووفِّقْنا للتزود من التقوى قبل النُّقْلَة، وارزقنا اغتنام الأوقات في ذي المهلة. اللهم بلغنا شهر الرحمات والبركات وأرزقنا صيامه وقيامه وإتمام قبوله ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وأله وصحبه أجمعين اللهم آمين ..

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة