U3F1ZWV6ZTM1NTgxMTY5NjA2OTA3X0ZyZWUyMjQ0NzY3ODUyMjQwMg==

خطبة الجمعة من الحرم المكي 28 رمضان 1443

خطبة الجمعة من الحرم المكي 28 رمضان 1443

ألقى فضيلة الشيخ عبدالله بن عواد الجهني من منبر الحرم المكي بمكة المكرمة خطبة الجمعة 28 رمضان 1443 بعنوان إغتنام شهر رمضان الى آخِر لحظاته وتحدث أن رمضان مضمار للسباق في الطاعات و ضرورة أخذ العبرة من تصرم الأيام ومرورها و ذكر بعض خصوصية شهر رمضان ووجوب اغتنامه  وذكر الوصية بالتوبة واغتنام العشر الأواخر وتحدث عن بعض أحكام زكاة الفطر .أكتب اليكم ماجاء فيها .

صورة الشيخ عبدالله الجهني وهو في المنبر

بعنوان إغتنام شهر رمضان الى آخِر لحظاته

الخطبة الأولى:

الحمد لله، شرع لنا دينًا قويما، وهدانا صراطًا مستقيمًا، الذي أسبغ علينا نعمه ظاهرةً وباطنةً، وهو اللطيف الخبير، اللهم لكَ الحمدُ كلُّه، ولك الْمُلك كلُّه، وبيدك الخير كلهُّ، وإليك يُرجَع الأمرُ كلُّه، أنتَ ربُّ الطيبينَ، وأشهد ألَّا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، ولي الصالحين، وخالق الخلق أجمعينَ، ورازِقُهم، فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها، ويعلم مستقرَّها ومستودعها، كل في كتاب مبين، وأشهد أن نبينا محمدًا عبدُه ورسولُه، أرسَلَه اللهُ رحمةً للعالمينَ، فشرَح به الصدورَ، وأنارَ به العقولَ، وفتَح به أعيُنًا عُميًا، وآذانًا صُمًّا، وقلوبًا غُلفًا، فجزاه الله عَنَّا أفضل ما جزى به نبيًّا عن أمته، ورضي الله عن أصحابه الطيبين الغر الميامين، وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعدُ، فيا أيها الناسُ: اتقوا الله -تبارك وتعالى-، والتمسِوا من العمل ما يحبه ويرضيه، وسارِعوا إلى مغفرته وجنَّته؛ فالمؤمن مَنْ يرجو اللهَ ويتقيه، ولا تتبِعُوا خطواتِ الشيطان، فإنَّه يضلُّ مَنِ اتَّبَعَه ويغويه، ويأمره بالفحشاء والمنكر، وإلى طريق الجحيم يهديه.

عبادَ اللهِ: إن الله جعَل شهرَ رمضان لخلقه مضمارًا يستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته، فسبَق قومٌ ففازوا، وتخلَّف آخَرون فخابوا، عن علي -رضي الله عنه- أنَّه كان ينادي في آخر ليلة من شهر رمضان: "يا ليتَ شعري، مَنِ هذا المقبولُ فنُهنِّيه، ومَنْ هذا المحرومُ فنُعزِّيه"، أيها المقبول هنيئًا لكَ، أيها المردود: جبَر اللهُ مصيبتكَ.

عبادَ اللهِ: لقد كنا بالأمس القريب نرقب شهر الصوم ونتحراه، وها هو اليوم قد شد رحاله وطوى بِساطَه، وأوشك على الرحيل.

أيَا شهرَ الصيامِ فَدَتْكَ نفسي *** تَمَهَّلْ بالرحيلِ والانتقالِ

فمَا أدري إذا ما الحولُ ولَّى  *** وَعُدْتَ بقابِلٍ في خيرِ حالِ

أَتَلْقَاني معَ الأحياءِ حيًّا  *** أَم انَّكَ تَلْقَنِي في اللَّحْدِ بَالِي

قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم -: "لو يعلم الناس ما في رمضان، لتمنَّوْا أن تكون السنةُ كلُّها رمضان"(أورده الهيثمي -رحمه الله- في الزوائد، من حديث أبي مسعود الغفاري، وإسناده حسن مع الشواهد)؛ فالمؤمن يفرح بتوفيق الله -عز وجل- له، على بلوغ هذا الشهر، وتوفيقه لصيامه وقيام ما تيسَّر من ليله، يغتبط بإيمانه، ويعتزُّ بإسلامه، وفي ذات الحين يأسف على تقصيره في مرور أيام وليالي الخير والبركة، ولم يزداد فيها من الخير أكثرَ ممَّا عمل، ويخشى ألَّا يُدرِكَ رمضانَ آخَرَ، فواقعُ المسلمِ الصائمِ أنَّه بين حالينِ متضادتينِ؛ بين فرح وحزن، وخوف ورجاء، واغتباط وأسف.

أيها المسلمون: إذا كان الشهرُ كاد أن ينتهي فلم تبق إلا ليلة واحدة مؤكَّدة، وهي من أفراد العشر، وفيها أعظم نفحة من رمضان، يجود بها الخالق -سبحانه وتعالى- على عباده، وهذه الليلة العظيمة العمل فيها والاجتهاد فيها خير من العمل في ألف شهر فيما سواه، فحريٌّ بنا البدارُ إلى التوبة وإلى الأوبة، والاستكثار منها، ولزوم الأعمال الصالحة، واجتناب الأعمال السيئة، وقد اجتهد أبو موسى الأشعري -رضي الله عنه- قبل موته اجتهادًا شديدًا فقيل له: "لو أمسكتَ؟ أو رفقتَ بنفسكَ بعضَ الرفق؟ فقال: إنَّ الخيل إذا أُرسلت فقارَبَتْ رأسَ مجراها أخرجَتْ جميعَ ما عندها، فلنُخرج جميعَ ما عندنا من طاقة وطاعة وصدقة قبل بزوغ فجر شوال.

واصِلْ أخي المسلم واجتهِدْ، ولا تكسَلْ ولا تغفُلْ حتى ينتهي الشهر، بل حتى ينتهي العمر، ومن فرَّط وأضاع فيما مضى من الأيام فعليه بالتوبة وحُسْن الختام، فإن الأعمال بخواتيمها، والعبرة بكمال النهايات لا بنقص البدايات، فاتقوا الله -أيها المسلمون-، وتعرَّضوا لنفحات الله -عز وجل-، وقِفُوا عندَ بابه، فهو الجواد الكريم، وتوجهوا إليه، فهو الرؤوف الرحيم.

اللهم اختم لنا شهر رمضان بغفرانك، والعتق من نيرانك؛ أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَمَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[الْبَقَرَةِ: 148].

بارَك اللهُ لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإيَّاكم بما فيه من الآيات والذِّكْر الحكيم، أقول قُولِي هذا، وأستغفِر اللهَ لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنَّه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمدُ للهِ، الحمد لله كما أمر، وأشكره وقد تأذن بالزيادة لمن شكر، وأشهد ألَّا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، إرغامًا لمن جهل به وكفر، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبدُه ورسولُه، سيد البشر، الشافع المشفَّع في المحشر، صلى الله وسلم عليه، وعلى آله وصحبه السادة الغرر، ما اتصلت عين بنظر، وأذن بخبر.

أما بعدُ: فإن ممَّا يُشرَع للمسلم في ختام شهر رمضان بعد أن منَّ اللهُ عليه بإتمام هذه الفريضة العظيمة، أن يُخرِج زكاة الفطر، وهي واجبة على كل مسلم ذكرًا كان أو أنثى، صغيرًا كان أم كبيرًا، حُرًّا أم مملوكًا، قال عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: "فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- ‌زَكَاةَ ‌الْفِطْرِ من رمضان، ‌صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ"(مُتَّفَق عليه).

ولا تجب على الحمل الذي في البطن إلا أن يتطوَّع به فلا بأس؛ فقد كان أمير المؤمنين عثمان بن عفان -رضي الله عنه- يُخرجِها عن الحمل، وهي طُهرة للصائم من الرفث واللغو، وطُعمة للمساكين، فأمَّا مَنْ أدَّاها قبلَ صلاة العيد فهي زكاة مقبولة -بإذن الله تبارك وتعالى-، وأمَّا مَنْ أدَّاها قبل العيد بيوم أو يومين فهي جائزة، ومَنْ أخَّرَها إلى بعد صلاة العيد فهي صدقة من الصدقات.

والمستحَبُّ للمؤمن في ليلة العيد الإكثارُ من التكبير، كما قال -جل وعلا-: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[الْبَقَرَةِ: 185]، فيُشرَع للمسلمين الجهر بالتكبير ليلةَ العيد، من غروب الشمس إلى الفراغ من خطبة صلاة العيد، كله تكبير، في البيت، والمسجد، والطريق، إلا المرأة فإنَّها تُسِرّ به؛ الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد، الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلًا، سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، فاتقوا الله -أيها المسلمون- وراقِبوه، وأطيعوا أمرَه ولا تعصوه، واعلموا أن رب رمضان هو رب شوال وسائر الشهور، ويُكرَه أن يُعصى في أي زمان كان، فإنَّه يراكم، ويعلم إسراركم، وما تُخفي صدوركم. وأختتم فضيلته تلك الخطبة بالصلاة والسلام على رسول لله ثم الدعاء ....


تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة