U3F1ZWV6ZTM1NTgxMTY5NjA2OTA3X0ZyZWUyMjQ0NzY3ODUyMjQwMg==

خطبة الجمعة من المسجد النبوي 21 رمضان 1443

خطبة الجمعة من المسجد النبوي 21 رمضان 1443

ألقى فضيلة الشيخ / عبدالمحسن بن محمد القاسم  من منبر المسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة خطبة الجمعة 12 رمضان 1443 بعنوان الاجتهاد في الطاعات تحدث فضيلته عن فضل الله تعالى على أمة الإسلام مواسم الطاعات  وذكر بعض فضائل العشر الأواخر من رمضان وعبادات مستحبَّة في ليلة القدر وتحري ليلة القدر والحرص عليها وحث على العناية بالقلوب في تصفيةتها وتطهيرها ، أكتب ما جاء فيها ...

صورة الشيخ عبدالمحسن القاسم وهو في المنبر


عنوان الخطبة الإجتهاد في الطاعات 


الخطبة الأولى: 


إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيِّئات أعمالنا، مَنْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومَنْ يُضلِلْ فلا هاديَ له، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعدُ: فاتقوا الله -عبادَ اللهِ- حقَّ التقوى، وراقِبوه في السر والنجوى.

أيها المسلمون: إدراكُ مواسم الخيرات مِنْ نِعَم الله العظيمة، وشهود الأزمنة التي يُضاعَف فيها ثوابُ العمل الصالح مِنَّةٌ من الله جسيمةٌ، وعمرُ العبد وإن طال فهو قصيرٌ، وفي مواسم العبادة من مضاعَفة الأجور وكثرة الثواب ما يعدِل الزيادةَ في العُمر والفسحة في الأجل، والمواسم التي اختارها الله لعباده تتفاوت مراتبُها وتفاضَل منازلها، والعبرة فيها بكمال النهايات لا بنقص البدايات، والأعمال بخواتيمها، ومَنْ أدرَك رمضانَ وأمكنَه اللهُ من صيامه وقيامه فقد وُهِبَ فرصةً فاتت كثيرًا من الخَلْق، وإذا فُسِحَ له في أجَلِه حتى بلغ العشر الأواخر منه فقَد خُصَّ بما يُتحسَّر على فَقْدِه ويُندَم على فواته؛ لإعطائه مهلةً يزداد فيها من الخير ويستغفر فيها من ذنوبه، ويستدرك ما فاته ويصلح ما فرط فيه، ويعمل من الصالحات ما ترتفع به مرتبته في الجنة، قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "رَغِمَ أنفُ رجلٍ دخَل عليه شهرُ رمضانَ ثم انسلَخ قبلَ أن يُغفَر له"(رواه الترمذي).

والعشر الأواخر من رمضان هي تاج الشهر وخلاصته وواسطة عِقده، العبادة فيها خير من العبادة في كل ليالي العام سواها، ويُستحبّ فيها الإكثارُ من تلاوة القرآن، قال ابن رجب -رحمه الله-: "الأوقات المفضَّلة كشهر رمضان خصوصًا الليالي التي يُطلَب فيها ليلةُ القدرِ يُستحبّ الإكثارُ من تلاوة القرآن اغتنامًا للزمان، فيها ليلة القدر التي أنزل الله فيها القرآن العظيم كاملًا إلى السماء الدنيا؛ (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ)[الْقَدْرِ: 1]، ليلة ذات شأن عظيم ومنزلة رفيعة، قال -جل شأنه-: (وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ)[الْقَدْرِ: 2]، إنها ليلة مباركة خيرها كثير، قال -جل شأنه-: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ)[الدُّخَانِ: 3]، العملُ والثوابُ فيها خيرٌ من عبادةِ ألفِ شهرٍ ليس فيها ليلةُ القدرِ، التسبيحةُ الواحدةُ فيها لا يُقادَر قدرُها، ولا يُحاط بمبلغ ثوابها، والركعة فيها تَعدِل عبادةَ السنين، مَنْ وُفِّقَ فيها للعمل الصالح المتقبَّل فكأنما أُعطي عمرًا طويلًا شغَلَه كلَّه بالطاعة والعبادة؛ لشرف ليلة القدر يُكتَب فيها أقدارُ عام كامل من أعمال الخَلْق، فيُفصَل من اللوح المحفوظ إلى الملائكة الكاتبينَ أمرُ السَّنَة، وما يكون فيها من الآجال والأرزاق، وما يكون فيها إلى آخرها، قال -جل شأنه-: (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا)[الدُّخَانِ: 4-5]، ليلةٌ يَكثُر فيها -بأمر الله- تنزُّل الملائكة من السماء لبركتها، قال عز وجل: (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ)[الْقَدْرِ: 4]، قال ابن كثير -رحمه الله-: "يَكثُر تنزُّل الملائكة في هذه الليلة لكثرة بركتها، والملائكة يتنزَّلون مع تنزُّل البركة والرحمة، كما يتنزَّلون عندَ تلاوة القرآن ويُحيطون بحِلَق الذِّكْر، ويضعون أجنحتَهم لطالب العلم بصدق؛ تعظيمًا له".وقيام ليلة القدر مع التصديق بثوابها واحتساب أجرها جزاؤه مغفرة الذنوب كلها، قال عليه الصلاة والسلام: "مَنْ قام ليلةَ القَدْرِ إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقدَّم مِنْ ذنبِه".

ويُشرع عمرانُها بالصلاة والدعاء والذِّكْر والاستغفار ونحو ذلك، ومَنْ حُرِمَ بركتَها وخيرَها فهو محرومٌ، قال عليه الصلاة والسلام: "فيه -أي في رمضان- ليلةٌ خيرٌ من ألف شهر، مَنْ حُرِمَ خيرَها فقد حُرِمَ"(رواه أحمد)، ولمنزلة ليلة القدر العظيمة كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يتحرَّاها ويحثّ أصحابَه على تحريها في العشر الأواخر، وهي في الأوتار من العشر آكد، ومن شدة تحري النبي -صلى الله عليه وسلم- لليلة القدر اعتكَف مرةً في العشر الأُوَل، ثم في العشر الأوسط، ثم عَرَفَ أنها في العشر الأواخر فاعتَكَف فيها"(رواه مسلم).

وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يُكثِر العبادةَ في هذه العشر ويجتهد فيها اجتهادًا عظيمًا، يُحيي عامةَ الليل متهجدًا بالصلاة والذكر والدعاء والاستغفار وغير ذلك، قالت عائشة -رضي الله عنها-: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره"(رواه مسلم)، وكان عليه الصلاة والسلام في هذه العشر يتقلل من أمر الدنيا ويعتزل الناس، ويُوقِظ أهلَ بيته لينالوا خيرَ هذه الليالي، قالت عائشة -رضي الله عنها-: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا دخَل العشرُ أحيا الليلَ وأيقَظ أهلَه، وجدَّ وشَدَّ المئزرَ"(متفق عليه)، وكان يعتكف في مسجده كلَّ عام في العشر الأواخر يتحرَّى ليلةَ القدر ليُدرِكَها وهو في عبادة متصلة بحضور قلب وإقبال نفس، قالت عائشة -رضي الله عنها-: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعتكف العشرَ الأواخرَ من رمضان حتى توفَّاه الله -عز وجل-، ثم اعتكف أزواجُه من بعدِه"(متفق عليه).

وكلُّ عبادة شرعت في رمضان فهي ممتدة إلى آخر ليلة منه، وهي في العشر الأواخر آكد، فعلى المسلم أن يكون حرصه عليها أعظمَ، فيشرع فيها مع صيام النهار قيام الليل لاسيما مع الجماعة، فإنه مَنْ قام مع الإمام حتى ينصرف كُتِبَ له قيام ليلة.(رواه أحمد).

ويُشرَع فيها كثرةُ الذِّكْر والدعاء والمداوَمة على قراءة القرآن والإحسان إلى الخلق بأنواع الصدقات، وسدّ حاجات المعوزين، وصلة الأرحام وبر الوالدين والإحسان إلى الجيران وغير ذلك من فعل الخيرات، والعمرة في رمضان تعدل حجة مع النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقبل ذلك وبعده لزوم التوبة الصادقة ودوام الإنابة وخضوع القلب لخالقه، وتعاهد النفس بالتزكية والإصلاح بسلامة القلب والإخلاص لله واتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم.

وفي السلف عُبَّاد مُكثِرون من الركوع والسجود وملازَمة الصيام والقيام، وفيهم مَنْ هو دونَ ذلك في العبادة، وعنايتهم جميعًا بالقلوب دائمة، وهمهم تحقيق التوحيد وسلامة الصدور، قال ابن رجب -رحمه الله-: "كان أكثر تطوُّع النبي -صلى الله عليه وسلم- وخواصّ أصحابه ببرّ القلوب وطهارتها وسلامتها، وقوة تعلُّقِها بالله خشيةً له ومحبةً وإجلالًا وتعظيمًا ورغبةً فيما عندَه، وزهدًا فيما يفنى.

وبعدُ أيُّها المسلمون: فالعمرُ زمنُ عمارة الآخرة، والنَّفَس الذي يتردد في الصدر إذا خرَج لم يَعُدْ، والتفريط في اللحظة الواحدة من لحظات الأزمنة الفاضلة غبنٌ وخسارةٌ، ومَنْ قصَّر أو فرَّط في أول هذا الشهر فبابُ الاستدراكِ مُشرَعٌ، فاستعِنْ بالله ولا تَعجَزْ، ولا تَكسَلْ ولا تُسَوِّفْ، وَبَادِرْ إلى اغتنام العمل فيما بقي من الشهر، فعسى أن يُستدرَك به ما فات من الزمن.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)[آلِ عِمْرَانَ: 133].

بارَك اللهُ لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذِّكْر الحكيم، أقول هذا، وأستغفِر اللهَ لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفِروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا مزيدًا.

أيها المسلمون: ليالي العشر من رمضان أنفَسُ ليالي الدهر، فلا تُفرِّطْ في شيء من أوقات ليلها أو نهارها، واحرص على ألَّا يراكَ اللهُ إلا في طاعة، فإن ضَعُفْتَ عن فعل الطاعة فإياكَ أن يراكَ على معصية، ولا تَتَهاوَنْ في أداء الواجبات وأعظمها بعد التوحيد أداء الصلاة في وقتها، وأكثر من الصلاة وأنفق مما رزقك الله، وتضرع إلى الله بالدعاء، وأكثِرْ دومًا من الدعاء بالإخلاص فهو سبب القبول والخلاص من الكروب، وتحرَّ المأثورَ من الأدعية فهي أحرى بالإجابة، ولازِمْ تلاوةَ القرآن في كل حين، قال عليه الصلاة والسلام: "اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه"(رواه مسلم)، وأكثِرْ من ذِكْر الله فهو سبب الظفر والفوز، قال -جل شأنه-: (وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[الْأَنْفَالِ: 45]، واختِمْ شهرَ رمضان بالاستغفار وسؤال الله القبول، وانزع من قلبك العجب بعمل الصالحات؛ فإنه مفسد لها. أختتم فضيلته تلك الخطبة بالصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم الدعاء ..

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة