U3F1ZWV6ZTM1NTgxMTY5NjA2OTA3X0ZyZWUyMjQ0NzY3ODUyMjQwMg==

خطبة الجمعة الرابعة من شهر شوال 1443

خطبة الجمعة الرابعة من شهر شوال 1443

خطبة الجمعة الرابعة 26 شوال 1443 هــ بعنوان ميزان الأعمال يوم القيامة


خطبة الجمعة الرابعة من شهر شوال

ميزان الآعمال يوم القيامة

الخطبة الأولى :

إن الحمد لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفِرُه، ونعوذُ بالله من شُرور أنفُسِنا، ومن سيئات أعمالِنا، من يهدِه الله فلا مُضلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادِيَ له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وصحبِه والتابعين، لهم بإحسان الى يوم الدين .

قال الله تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) [آل عمران: 102].  قال الله تعالى ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1]. قال الله تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70، 71]. أما بعد فإن أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وشرَّ الأمور مُحدثاتُها، وكل مُحدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار.

أيها المؤمنون عباد الله :

اتَّقوا الله لعلَّكم تُفلِحون، واستكثِرُوا من الصالِحات، فعمَّا قليلٍ أنتم راحِلُون،  قال الله عز وجل ( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ ) [الجاثية: 15]. يا عبد الله ،اذكُر اللهَ في السرَّاء ,يذكُرك في الضرَّاء، وإذا ذكرتَ الموتَى فعُدَّ نفسَك كأحدِهم، وعلم  إنَّ مِنْ أشدِّ المواقفِ على العباد، يوم القيامة، بأهواله المفزِعة، وأحواله المخِيفة؛ وصف ذلك الموقف في كتابة الكريم فقال (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ)[الزُّمَرِ: 68]، يخرُجُ الناسُ من قبورِهم عارِيةً أبدانُهم، حافِيةً أقدامُهم، ذابِلةً شِفاهُهم، مع كل نفسٍ سائقٌ يسوقها، وشهيدٌ يشهد عليها، والناس بين ضاحكٍ مسرورٍ، وباكٍ مثبور، وآخِذٍ كتابَه بيمينه، وآخِذٍ كتابَه بشماله أو من وراء ظهره، فيُحشَر المتقونَ إلى الرحمن وفدًا، ويُساق المجرمونَ إلى جهنم وِرْدًا، قال الله عز وجل  (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا)[الِانْشِقَاقِ: 7-8]، ويقول فَرِحًا مسرورًا: (هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ)[الْحَاقَّةِ: 19-20]، قال الله تعالى ( ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ ) [هود: 103]، وقال تعالى ( زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) [التغابن: 7]  (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا)[الِانْشِقَاقِ: 10-11] ، ويقول نادمًا حسيرًا: (يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ)[الْحَاقَّةِ: 25-26] .

عباد الله :

في ذلك اليومِ العظيم، ينصِبُ الله الموازِينَ لوَزنِ أعمالِ العباد، يوضع الميزان، وهو ميزانٌ حقيقيٌّ، له كِفَّتانِ، يميل بالحسنات والسيئات، لا تُكيِّفُه العقولُ، ولا تتصوَّرُه الأذهانُ، يَزِنُ كلَّ صغيرة وكبيرة، قال الإمامُ أحمدُ: "والميزانُ حقٌّ، تُوزنُ به الحسناتُ والسيئاتُ، كما يَشَاءُ الله أنْ تُوزن"، قال الله عز وجل ( وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ) [الأنبياء: 47]، ( فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (102) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ ) [المؤمنون: 102، 103]. فطُوبَى لمن ثقُلَت موازِينُه بالحسنات، ويا خسارةَ من خفَّت موازِينُه، ( فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (7) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9) وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (10) نَارٌ حَامِيَةٌ)  [القارعة: 6- 11].  ولقد دلَّت نصوص الكتاب والسُّنة، على أنَّ العبد وعمله، وصحيفة أعماله، كلُّ ذلك يُوضَع في الميزان يومَ القيامة، ففي مسنَدِ الإمامِ أحمدَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "تُوضَعُ الْمَوَازِينُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُؤْتَى بِالرَّجُلِ، فَيُوضَعُ فِي كِفَّةٍ، فَيُوضَعُ مَا أُحْصِيَ عَلَيْهِ، فَتَمَايَلَ بِهِ الْمِيزَانُ، قَالَ: فَيُبْعَثُ بِهِ إِلَى النَّارِ، فَإِذَا أُدْبِرَ بِهِ، إِذَا صَائِحٌ يَصِيحُ مِنْ عِنْدِ الرَّحْمَنِ، يَقُولُ: لَا تَعْجَلُوا، لَا تَعْجَلُوا، فَإِنَّهُ قَدْ بَقِيَ لَهُ، فَيُؤْتَى بِبِطَاقَةٍ فِيهَا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَتُوضَعُ مَعَ الرَّجُلِ فِي كِفَّةٍ، حَتَّى يَمِيلَ بِهِ الْمِيزَانُ". وصدقَ الحقُّ - سبحانه إذ يقول ( إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ)  [النساء: 48]. وفي آيةِ الرجاءِ: ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) [الزمر: 53]. أرأيتُم كيف فعَلَت الشهادةُ بهذه الذنوبِ؟! وكيف ثقُلَت في ميزان العبدِ يوم القيامة؟! لأنه قالَها مُخلِصًا من قلبِه، لم يقَع فيما ينقُضُها أو يُفسِدُها من دُعاء او عبادةٍ لغير الله .

معشر المسلمين :

إنَّ من أهوال يوم القيامة، موقفَ توفية الموازين، حتى إن العبد لَينخلع فؤادُه، وتعظُم كروبُه، ناسيًا أهلَهُ وأحبابَه، مشغولًا بما يراه أمامه، وهو ينتظر حصيلةَ عملِه، فلا يهدأُ روعُه، حتى يَرى أيخفُّ ميزانُه أم يثقُل؟، فمَنْ ثَقُلَ ميزانُه، نُودِيَ في مجمع فيه الأولون والآخِرون: ألَا إنَّ فلانَ ابنَ فلانٍ، قد سَعِدَ سعادةً لا يشقى بعدَها أبدًا، وإذا خفَّ ميزانُه، نُودِيَ على رؤوسِ الخلائقِ: ألَا إنَّ فلانَ ابنَ فلانٍ، قد شَقِيَ شقاوةً لا يَسعَدُ بعدَها أبدًا، وفي سنن أبي داود: "أن عَائِشَةَ - رضي الله عنها-، ذَكَرَتِ النَّارَ فَبَكَتْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَا يُبْكِيكِ يا عائشة ، قَالَتْ: ذَكَرْتُ النَّارَ فَبَكَيْتُ، فَهَلْ تَذْكُرُونَ أَهْلِيكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَة؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَمَّا فِي ثَلَاثَةِ مَوَاطِنَ، فَلَا يَذْكُرُ أَحَدٌ أَحَدًا: عِنْدَ الْمِيزَانِ، حَتَّى يَعْلَمَ أَيَخِفُّ مِيزَانُهُ أَوْ يَثْقُلُ، وَعِنْدَ الْكِتَابِ، حِينَ يُقَالُ: (هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَه)[الْحَاقَّةِ: 19]، حَتَّى يَعْلَمَ أَيْنَ يَقَعُ كِتَابُهُ، أَفِي يَمِينِهِ أَمْ فِي شِمَالِهِ، أَمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ، وَعِنْدَ الصِّرَاطِ، إِذَا وُضِعَ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ، (فَإذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ * فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ)[الْمُؤْمِنَونَ: 101-103] ، وإن من عظيم رحمة الله -تعالى- بهذه الأمة، أن جعَل رسولها - صلى الله عليه وسلم- يحضُر موطنَ شدةِ الميزانِ وهولِه، ليكون شفيعًا لأمته؛ ففي (سنن الترمذي)، قال أنسٌ - رضي الله عنه- سألتُ رسولَ الله -  صلى الله عليه وسلم- أَنْ يَشْفَعَ لي، فَقَالَ: أَنَا فَاعِلٌ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَيْنَ أَطْلُبُكَ؟ - يعني في أي عرصات القيامة أبحث عنكَ-، قَالَ: اطْلُبْنِي أَوَّلَ مَا تَطْلُبُنِي عَلَى الصِّرَاطِ، قَالَ: قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ أَلْقَكَ عَلَى الصِّرَاطِ؟ قَالَ: فَاطْلُبْنِي عِنْدَ المِيزَانِ، قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ أَلْقَكَ عِنْدَ المِيزَانِ؟ قَالَ: فَاطْلُبْنِي عِنْدَ الحَوْضِ؛ فَإِنِّي لَا أُخْطِئُ هَذِهِ الثَّلَاثَ المَوَاطِنَ"؛ - يعني: لا بدَّ أن تلقاني في واحدة من هذه المواطن .

ايها المؤمنون عباد الله :

ــ إن مما تثقُلُ بها موازِينُ العباد يوم القيامة: تحقيقُ كلمة التوحيد وإخلاصُ الشهادتَين لله رب العالمين واتباع سنة صلى الله عليه وسلم وصدقَ الحقُّ - سبحانه إذ يقول -: ( إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ) [النساء: 48].

ــ  وإن مما تثقُلُ بها موازِينُ العباد يوم القيامة: حُسنُ الخُلُق. فعن أبي الدرداء - رضي الله عنه -، أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما من شيءٍ يُوضَعُ في الميزانِ أثقَلُ من حُسن الخُلُق»؛ رواه أبو داود وغيرُه.

وحُسنُ الخُلُق: هو الكلمةُ الطيبةُ، والتبسُّمُ في وجهِ أخيك، واستقامةٌ في دِينٍ، وبشاشةٌ في لِينٍ، وتفريجُ كربةٍ، وعفوٌ وإحسانٌ، وبِرٌّ بوالدينِ، وبَذلُ النَّدَى وكفُّ الأذَى، حُسنُ الخُلُق مع الناسِ كلِّهم صغيرِهم وكبيرِهم، غنيِّهم و فقيرِهم، يقولُ - عليه الصلاة والسلام -: «إن الرَّجُلَ ليُدرِكُ بحُسن خُلُقِه درجةَ الصائِمِ القائِمِ»؛ رواه أحمد وأبو داود. ويقولُ: «إن من أحبِّكم إلَيَّ وأقرَبِكم منِّي مجلِسًا يوم القيامة: أحاسِنُكم أخلاقًا»؛ رواه الترمذي. ويقولُ - عليه الصلاة والسلام -: «أكثرُ ما يُدخِلُ الناسَ الجنة: تقوَى الله وحُسنُ الخُلُق»؛ رواه أحمد والترمذي. وأحقُّ الناسِ بحُسن خُلُقكم هم الأقرَبُون: الوالِدان، والزوجةُ، والأولاد، يقولُ - عليه الصلاة والسلام -: «خيرُكم خيرُكم لأهلِه، وأنا خيرُكم لأهلِي»؛ رواه الترمذي وابنُ ماجه. ولقد كان - صلى الله عليه وسلم- أكملَ الناس أَخلاقًا، وأكرمهم نَفْسًا، وأطلَقَهم وجهًا، وأرحَمَهم قلبًا، وأليَنَهم طبعًا، وأوسَعَهم عفوًا.

ــ وإن مما تثقُلُ بها موازِينُ العباد يوم القيامة: ذِكرُ الله تعالى، ففي "الصحيحين": عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «كلِمتانِ خفيفَتَانِ على اللِّسانِ، ثقِيلَتَان في الميزان، حبِيبَتَانِ إلى الرحمن: سُبحان الله وبحمدِه، سُبحان الله العظيم»؛ وهو آخرُ حديثٍ في "صحيح البخاري". فمن أرادَ أن تثقُلَ موازِينُه يوم القيامة فليُكثِر من هؤلاء الكلِمات، وليكُن لِسانُه رَطبًا من ذِكرِ الله؛ يقولُ - عليه الصلاة والسلام -: «لأَن أقولَ: سُبحان الله، والحمدُ لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر أحبُّ إليَّ مما طلَعَت عليه الشمسُ»؛ رواه مسلم. ويقولُ - عليه الصلاة والسلام -: «من قالَ: سُبحان الله وبحمدِه في يومٍ مائةَ مرَّة، حُطَّت خطايَاهُ ولو كانت مثلَ زبَدِ البَحر»؛ متفق عليه. وقال - صلى الله عليه وسلم - لأبي موسَى الأشعريِّ - رضي الله عنه -: «ألا أدُلُّكَ على كنزٍ من كُنوزِ الجنة؟». قلتُ: بلى يا رسولَ الله، قال: «لا حولَ ولا قوةَ إلا بالله»؛ متفق عليه. والنبيُّ - صلى الله عليه وسلم لقِيَ - إبراهيمَ - عليه السلام - ليلةَ أُسرِيَ به، فقال: «يا مُحمَّد! أقرِئْ أمَّتَك منِّي السلام، وأخبِرهم أن الجنةَ طيبةُ التُّربة، عَذبَةُ الماء، وأنها قِيعَان - يعني: أراضٍ مُستوِية -، وأن غِراسَها: سُبحان الله، والحمدُ لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر»؛ رواه الترمذي. وعن جُويرِية بنت الحارِثِ أمِّ المُؤمنين - رضي الله عنها -، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرجَ من عندِها بُكرةً حين صلَّى الصُّبحَ وهي في مسجِدِها، ثم رجعَ بعدَ أن أضحَى وهي جالِسة، فقال صلى الله عليه وسلم «ما زِلتِ على الحالِ التي فارَقتُكِ عليها؟»، قالت: نعم، قال «لقد قلتُ بعدَكِ أربعَ كلماتٍ ثلاثَ مراتٍ لو وُزِنَت بما قُلتِ منذ اليوم لوزَنَتهنَّ: سُبحان الله وبحمدِه عددَ خلقِه، ورِضا نفسِه، وزِنةَ عرشِه، ومِدادَ كلماتِه»؛ رواه مسلم. بارك الله لي ولكم بالقرآن والسنة ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .

الخطبة الثانية:

الحمدُ لله على إحسانِه، والشكرُ له على توفيقِه وامتِنانِه، وأشهَدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له تعظيمًا لشَأنِه، وأشهَدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه الداعِي إلى رِضوانه، صلَّى الله وبارَك عليه وعلى آله وصحبِه وإخوانِه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا. أما بعد .. فيا أيها المسلمون:

إن مما تثقُلُ بها موازِينُ العباد يوم القيامة: شهودَ الجنائزِ والصلاةَ عليها، وتشييعَها حتى دفنها؛ ففي الصحيحين، قَالَ النبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ شَهِدَ الْجَنَازَةَ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا فَلَهُ قِيرَاطٌ، وَمَنْ شَهِدَهَا حَتَّى تُدْفَنَ فَلَهُ قِيرَاطَانِ، قِيلَ: وَمَا الْقِيرَاطَانِ؟ قَالَ: مِثْلُ الْجَبَلَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ".

عباد الله :

 إن الإيمان بالميزان يوم القيامة ، له آثارٌ عظيمةٌ؛ مِنَ العلمِ واليقينِ، بعدلِ ربِّ العالمينَ، والإيمان بالميزان، سببٌ للحرص على الأعمال التي تُثقِله، فلا يزهد المرء في قليل من الخير أن يأتيَه، فحسنةٌ واحدةٌ، تُثقِل الميزانَ، وتُدخِل العبدَ الجنةَ، ففي عرصات يوم القيامة، يقف أقوامٌ على برزخٍ مرتفعٍ بينَ الجنة والنار، وهُمْ مَنْ تساوَتْ حسناتُهم وسيئاتُهم، فينظرون إلى أهل الجنة، ويتمنَّون حسنةً واحدةً، ليكونوا معهم، فيُحبَسُون على الأعراف، ما شاء الله أن يُحبَسُوا، ثم يُدخِلُهم اللهُ -تعالى- برحمته الجنةَ، (وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ وَنادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ * وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحابِ النَّارِ قالُوا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)[الْأَعْرَافِ: 46-47]،وإذا كان الوزنُ يوم القيامةِ للحسناتِ والسيئاتِ، فاستكثِرُوا يا عباد الله من الصالِحات، وتدارَكُوا أنفُسَكم قبل الفَوَات.  

هذا وصلوا وسلموا على من أمرَكم الله بالصلاة والسلام عليه فقال - عزَّ مِن قائِلٍ:﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]، وقال صلى الله عليه وسلم : «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرَ صَلَوَاتٍ، وَحُطَّتْ عَنْهُ عَشْرُ خَطِيئَاتٍ، وَرُفِعَتْ لَهُ عَشْرُ دَرَجَاتٍ» (رواه النسائي وصححه الألباني)  اللهم صَلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله، اللهُمَّ ارضَ عن الخلفاء الراشدين، أبي بكر وعمر وعثمان وعلِيّ، وعن سائر الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وجودك يا أرحم الراحمين.

ــ اللهم أعز الإسلام والمسلمين، واذل الكفرة والملحدين .

ــ اللهم ادفع عنا الغلاء والوبأ ،والربا والزنا، والزلازل والمحن، وسوء الفتن، ما ظهر منها وما بطن 

ــ اللهم إنا نعوذ بك من جهد البلاء، ومن درك الشقاء، وسوء القضاء وشماتة الأعداء .

ــ اللهمَّ إنا نسأَلُكَ رِضَاكَ والْجَنَّةَ، ونعوذُ بكَ مِن سَخَطِكَ والنارِ. ــ اللهم اشف مرضانا، وعاف مبتلانا، وارحم موتانا .

ــ اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من الهالكين ، اللهم سقيا رحمه لا سقيا عذاب .

ــ اللَّهُمّ اغفر لنا ولوالدينا ، وللْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ، وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ ، الْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْأَمْوَاتِ  

(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 201]. عباد الله  (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ النحل:(90) فاذكروا اللهَ يذكُركم، واشكُروه على نعمِه يزِدكم، ولذِكرُ الله أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنَعون .

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة