U3F1ZWV6ZTM1NTgxMTY5NjA2OTA3X0ZyZWUyMjQ0NzY3ODUyMjQwMg==

خطبة الجمعة الأولى من شهر شوال 1443

خطبة الجمعة الأولى من شهر شوال 1443

خطبة الجمعة الأولى من شهر شوال 1443 هــ  ب (عنوان المداومة على الأعمال الصالحة بعد رمضان )


خطبة الجمعة الاولى من شوال 1443

المداومة على الأعمال الصالحة بعد رمضان


الخطبة الأولى :

الحمد لله ،الحمدُ لله رفيع الدَرَجات، مُسبِغِ النِّعم والبَرَكات، مَنَّ علينا بمواسِمِ الخَيرات والرَّحمات، وهدانا إلى الطاعات والقُرُبات، أحمدُه - سبحانه - وأشكُرُه، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله عليه، وعلى آلِه وصحبِه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

عباد الله : اتَّقُوا اللهَ تعالى في السرِّ والعلَن، واجتنِبُوا الفواحِشَ ما ظهرَ منها وما بطَن، واعلَمُوا أن الحياة عملٌ ولا حِساب، والأخرة حسابٌ ولا عمل، قال تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ (آل عمران: 102).... ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ) الأحزاب(70، 71)  أمّا بعد، فإنّ خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، أعاذنا الله واياكم من البدع والضلالات والنار .

أيها المؤمنون عباد الله :

مازلنا نعيش ايام عيد، هنِيئًا لكُم هذا العِيد، وجعلَنا الله وإياكُم مِن أهل يوم المَزيد، وجعلَ عِيدَكم سُرورًا، وملَأَ صُدورَكم فرَحًا وحُبُورًا. العِيدُ شَعِيرةٌ مِن شعائِرِ الله، يتجلَّى فيها الفَرَحُ بفضلِه وبرحمتِه، وجُودِه وإحسانِه. العِيدُ يومُ جمالٍ وزِينة، وفرَحٍ وسعادة. العِيدُ موسِمٌ لإصلاحِ ذاتِ البَين، وصِلةِ الأرحام والإحسان، وتجديدِ المحبَّة والمودَّة. وفي الحديثِ المُتَّفقِ على صحَّتِه: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَن أحَبَّ أن يُبسَطَ له في رِزقِه، ويُنسأَ له في أثَرِه، فليَصِل رَحِمَه». فيا مَن وُفِّقتُم للصِّيام والقِيام، وعظَّمتُم شعائِرَ الله، واجتَنَبتُم محارِمَه! اشكُرُوه - سبحانه - على ما هداكم، ويسَّرَ لكم الطاعةَ واجتباكُم بإظهارِ أثَرِ النِّعمة على ألسِنَتكم ثناءً واعتِرافًا، وعلى قلوبِكم محبَّةً وشُهودًا، وعلى جوارِحِكم طاعةً وانقِيادًا. فاللهم لك الحمدُ والشُّكرُ أن هدَيتَنا للإسلام، ولك الحمدُ والشُّكرُ على ما أنعَمتَ به علينا مِن إتمامِ الصِّيام والقِيام، ﴿وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [البقرة: 185]. الشُّكرُ - يا عباد الله - مِن صفاتِ الرَّحمن - جلَّ جلالُه، وتقدَّسَت أسماؤُه -، فالله تعالى شاكِرٌ وشَكورٌ، والشُّكرُ مِنه - تبارك وتعالى -: مُجازاةُ العبدِ والثَّناءُ؛ فهو - سبحانه - بَرٌّ رحيمٌ كريمٌ يشكُرُ قليلَ العمل، ويعفُو عن كثيرِ الزَّلَل. ومِن كرمِه وجُودِه وفضلِه: أنَّه لا يُعذِّبُ عبادَه الشَّاكِرين، ﴿مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا﴾ [النساء: 147].

معاشر المسلمين :

أثنَى الله تعالى على أهل شُكرِه، ووصَفَ به خواصَّ خَلقِه، فقال عن نُوحٍ - عليه السلام -: ﴿إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا﴾ [الإسراء: 3]، وهو الذي دعَا قومَه ليلًا ونهارًا، سِرًّا وجِهارًا ألفَ سنةٍ إلا خمسِين عامًا، فما آمَنَ معه إلا قليلٌ. وقال - سبحانه - في ثَنائِه على خلِيلِه إبراهيم : ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (120) شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [النحل: 120، 121]. وأما نبيُّنا - صلواتُ ربِّي وسلامُه عليه -، فقد لقِيَ مِن قومِه ما لقِيَ، فكان أشكَرَ الخلقِ لربِّه، وكان يقُومُ مِن الليل حتى تتفطَّر قَدَماه، فقالت له عائشةُ - رضي الله عنها وأرضاها -: أتصنَعُ هذا وقد غُفِرَ لك ما تقدَّم مِن ذنبِك وما تأخَّر؟! فقال: «يا عائِشة! أفَلا أكُونُ عبدًا شَكُورًا؟»؛ رواه البخاري ومسلم.

معاشِرَ المُؤمنين:

إنَّ رِضا الله - تبارك وتعالى - مُعلَّقٌ بالشُّكر؛ فالنِّعمُ مهما صَغُرَت، فشُكرُها سببٌ لحُلول رِضوانِ الله ففي "صحيح مسلم": قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ الله ليَرضَى عن العبدِ أن يأكُلَ الأكلَةَ فيحمَدَه عليها، أو يشرَبَ الشَّربةَ فيحمَدَه عليها». ورِضا العزيزِ الغفَّار أعظمُ نعيمٍ في الجنَّة للشَّاكِرين الأبرار. ففي "الصحيحين": أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنَّ اللهَ يقُولُ لأهلِ الجنَّة: يا أهلَ الجنَّة! فيقُولُون: لبَّيكَ ربَّنا وسَعدَيك، والخَيرُ في يَدَيك، فيقُولُ: هل رضِيتُم؟ فيقُولُون: وما لَنَا لا نرضَى يا ربِّ! وقد أعطَيتَنا ما لم تُعطِ أحدًا مِن خلقِك؟! فيقُولُ: ألا أُعطِيكُم أفضلَ مِن ذلك؟ فيقُولُون: يا ربِّ! وأيُّ شيءٍ أفضَلُ مِن ذلك؟ فيقُولُ: اُحِلُّ عليكُم رِضوانِي فلا أسخَطُ عليكم بعدَه أبَدًا». إنَّ نِعمَ الله لا تُعدُّ ولا تُحصَى، وقد امتَنَّ الله بها على عبادِه، ودعاهُم إلى ذِكرِها وشُكرِها، فلا زوالَ للنِّعمةِ إذا شُكِرَت، ولا بقاءَ لها إذا كُفِرَت، ومَن رُزِقَ الشُّكرَ رُزِقَ الزيادة، ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ [إبراهيم: 7].وكلُّ نِعمةٍ وإن كانت يسيرةً سيُسألُ عنها العبدُ يوم القِيامة. وإنَّ مِن أعظم النِّعَم إدراكَ مواسِم الطاعات، والمُسارَعة فيها بأنواع القُرُبات في وقتٍ حُرِمَ البعضُ مِن اغتِنامِها، أو حالَ الأجَلُ دُون بلوغِها. وإنَّ مِن شُكرِ النِّعمة بعد مواسِمِ الطاعة: المُداومةَ على العِبادة. وقد سُئِلَت عائشةُ - رضي الله عنها -: كيف كان عملُ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -؟ هل كان يخُصُّ شيئًا مِن الأيام؟ قالت: "لا، كان عملُهُ دِيمةً" أي: إذا عمِلَ عملًا داوَمَ عليه. وكان - صلى الله عليه وسلم - يُوصِي أصحابَه بالثَّباتِ على الطاعاتِ، والمُداومَة على القُرُبات، ولو كان شيئًا يسيرًا. ومِن العبادةِ الدائِمة التي هي أحَبُّ الأعمالِ إلى الله تعالى: المُحافظةُ على الفرائِضِ. ففي "صحيح البخاري" عن أبي هُريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ اللهَ قال: مَن عادَى لِي ولِيًّا فقد آذَنتُه بالحَربِ، وما تقرَّبَ إلَيَّ عبدِي بشيءٍ أحَبَّ إلَيَّ ما افتَرضتُ عليه، وما يزالُ عبدِي يتقرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حتى أُحِبَّه، فإذا أحبَبتُه كُنتُ سَمعَه الذي يسمَعُ بِه، وبصَرَه الذي يُبصِرُ به، ويدَهُ التي يبطِشُ بها، ورِجلَه التي يمشِي بها، وإن سألَنِي لأُعطِيَنَّه، ولئِن استَعاذَني لأُعِيذنَّه». فالمُؤمنُ - يا عباد الله - ينتَقِلُ مِن عبادةٍ إلى عبادةٍ، ومِن طاعةٍ إلى طاعةٍ، ومِن شُكرٍ إلى شُكرٍ إلى أن يُلاقِي ربَّه . 

 أيها المؤمنون عباد الله : 

إن من علامات قبول الأعمال تغيُّر الأحوال إلى أحسن حال، فاسألوا الله الثبات على الطاعات إلى الممات، وتعوَّذوا به مِنْ تقلُّب القلوب، ومن الحَوْر بعد الكَوْر، ما أوحش ذلَّ المعصية بعد عز الطاعة، صحَّ عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إنَّ أحدَكم لَيعمل بعمل أهل الجنة، حتى ما يكون بينَه وبينَها إلا ذراعٌ، فيسبق عليه الكتابُ فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدَكم لَيعمل بعمل أهل النار، حتى ما يكون بينَه وبينَها إلا ذراع، فيسبِق عليه الكتابُ فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها"(متفق عليه). العيدُ في الإسلام يحمِلُ مقاصِدَ سامِيةً؛ ففيه يفرَحُ المُسلمون لتمامِ طاعةِ ربِّهم، ويبتَهِجُون بفِطرِهم بعد صِيامِهم. في العيدِ تذكيرٌ بالأصولِ العُظمى، ومنها: حِرصُ الإسلام على تثبيتِ المحبَّةِ الصادِقة بين المُسلمين، والمودَّة الخالِصة بين المُؤمنين، يقول ربُّنا - جلَّ وعلا -: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات: 10]، (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ)[التوبة: 71]. فيجِبُ أن نتَّخِذَ مِن العيدِ سببًا للتواصُلِ والتوادِّ، وفُرصةً لطَرحِ الضغائِنِ والأحقاد، قال - صلى الله عليه وسلم - في الحديث: «مثَلُ المُؤمنين في توادِّهم وتراحُمِهم كمَثَلِ الجسَدِ الواحِدِ». في العيدِ دعوةٌ بنَشرِ السُّرورِ وإدخالِه على النُّفوسِ، والتأكيد على معانِي الرحمة والإحسان والإفضالِ . 

أيها المؤمنون عباد الله: 

للعبادة أثرٌ في سُلُوك صاحبِها، قال تعالى: (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) [العنكبوت: 45]. ومِن علاماتِ قبُولِ الأعمال: تغيُّر الأحوال إلى أحسَنِ حالٍ، وفي المُقابِل فإن مِن علاماتِ الحِرمان وعدمِ القبُولِ: الانتِكاسُ بعد رمضان، وتغيُّرُ الأحوال إلى الأسوَأ، فالمعاصِي يجُرُّ بعضُها بعضًا. فما أحسنَ الحسنةَ بعد السيئةِ تمحُها، وأحسنَ مِنها الحسنةُ بعد الحسنةِ تتلُها، وما أقبَحَ السيئةِ بعد الحسنةِ تمحَقُها وتعفُها، ذنبٌ واحِدٌ بعد التوبةِ أقبَحُ مِن أضعافِه قبلَها، إن طُرقَ الخيرات كثيرة، فأين السالِكُون؟ وإن أبوابَها لمفتُوحة، فأين الداخِلُون؟ وإن الحقَّ لواضِحٌ لا يَزِيغُ عنه إلا الهالِكُون. فخُذُوا - عباد الله - مِن كل طاعةٍ بنصِيبٍ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [الحج: 77]. وإن الصبرَ على المُداومةِ والاستِقامةِ والثباتِ مِن أعظم القُرُبات؛ فالثباتُ والاستِمرارُ دليلٌ على الإخلاص والقَبُول .

عبادَ الله: الحِرصَ كل الحِرصَ على قَبُول الأعمال، والحذَرَ الحذَرَ مِن الإفلاسِ والزوالِ، ألا وإن مِن الخسارةِ الكُبرَى أن تُسدِيَ لغيرِك أعظمَ ما تحصَّلتَ عليه مِن الحسنات، فذلك هو الإفلاسُ الحقيقيُّ. جاء في الحديث عن أبي هُريرة - رضي الله تعالى عنه - أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «أتدرُون مَن المُفلِس؟»، قالوا: المُفلِسُ فينا مَن لا درهَمَ له ولا متاع، فقال: «المُفلِسُ مِن أمَّتِي مَن يأتِي يوم القِيامةِ بصَلاةٍ وصِيامٍ وزكاةٍ، ويأتي قد شتَمَ هذا، وقذَفَ هذا، وأكَلَ مالَ هذا، وسفَكَ دمَ هذا، وضرَبَ هذا، فيُعطَى هذا مِن حسناتِه، وهذا مِن حسناتِه، فإن فنِيَت حسناتُه قبل أن يُقضَى ما عليه أُخِذَ مِن خطاياهم فطُرِحَت عليه ثم طُرِح في النار» (رواه مسلم). وإن من الاستِهانةَ بمعصِيةِ الله، والتجرُّؤ على حُرُماتِه مِن أعظم أسباب الإفلاسِ والخُسران والضياع والخُذلان. فعن ثَوبان - رضي الله عنه -، أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لأعلَمَنَّ أقوامًا مِن أمَّتِي يأتُون يوم القيامة بأعمالٍ أمثالِ جِبال تِهامة بيضاء، فيجعلُها الله هباءً منثُورًا»، قال ثَوبَان: يا رسولَ الله! صِفهم لنا لا نكون منهم ونحن لا نعلَم، قال: «أما إنَّهم إخوانُكم ومِن جلدَتِكم، ويأخُذُون مِن الليل كما تأخُذُون، ولكنَّهم قومٌ إذا خلَوا بمحارِمِ الله انتَهَكُوها» (رواه ابن ماجَه). كانُوا يُصلُّون ويصُومُون، ويأخُذُون مِن الليل ما يأخُذُون، ولكنهم لا يُراقِبُون اللهَ في السرَّاء، فأدحَضَ الله أعمالَهم، وبدَا لهم مِن الله ما لم يكونُوا يحتَسِبُون.

إذا ما خلَوتَ الدَّهرَ يومًا فلا تقُلْ *** خلَوتُ، ولكن قُل: علَيَّ رقِيبُ

ولا تحسَبَنَّ اللهَ يغفَلُ ساعةً *** ولا أن ما يُخفَى عليه يَغِيبُ 

 أعوذُ بالله من الشيطان الرجيم: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الأحقاف: 13، 14].

باركَ اللهُ لي ولكم في القرآن العظيم، ونفَعَني وإيَّاكم بما فيه من الآياتِ والذِّكرِ الحكيمِ، أقولُ ما تسمَعُون، وأستَغفِرُ اللهَ العظيمَ الجليلَ لي ولكم ولسائِرِ المُسلمين، فاستغفِرُوه، إنه هو الغفورُ الرحيمُ.

الخطبة الثانية :

الحمدُ للهِ على إحسانِه، والشكرُ له على توفيقِه وامتِنانِه، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهدُ أن مُحمدًا عبدُه ورسولُه الداعِي إلى رِضوانِه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابِه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

أما بعدُ .. معاشر المُؤمنين :

 المرءُ قويٌّ بتقواه، فاتَّقُوا اللهَ تعالى، وبادِرُوا أقوالَكم بأفعالِكم؛ فإن حقيقةَ عُمر الإنسام ما أمضَاه في طاعةِ الله. لقد ودَّعنا قبل أيامٍ قليلةٍ شهرًا كريمًا، وموسِمًا عظيمًا مِن مواسِمِ الخير والبركة،  قد مضت لياليه العامرة، وأيامه الغامرة، رَبِحَ فيه الفائزون، وغَنِمَ فيه المجتهدون، يا سعادة الفائزين، قد ألهمهم اللهُ التوبةَ، ووفَّقهم للطاعة، نسأل الله لهم القبول والاستقامة، ويا ضيعة الخائبين، قد حُرموا وحُجبوا عن ربهم، وضاعَت عليهم فرصُ العمر، ومواسم الخير، لم يغنموا إلَّا الحسرة والندامة، لكنَّ أبواب التوبة لازالت مفتوحة، لم تُغلَق بعد رمضان، وربنا - جل وعلا- يقبل التوبة من عباده في كل زمان ومكان، . نعم يا عباد الله : هكذا يمضي الوقت ويفوت عمرُ الإنسان، أكرَمَنا الله بصِيامِ نهاره، وقِيامِ ما تيسَّر مِن ليلِه، ووفَّقَنا فيه للكثيرِ مِن أنواعِ الطاعات والعبادات، والأذكار والدعوات، والصدقات. فلله الحمدُ والمِنَّة، وله الشكرُ على هذه النِّعمة، فاللهم تقبَّل. عباد الله : الشهورُ كلُّها مواسِمُ عبادةٍ، وإن تفاوَتَت واختلَفت في الفضلِ والوظائِفِ، والعُمرُ كلُّه فُرصةُ عملٍ وطاعةٍ، فيا من وفقهُ الله فَى رمضانَ على أحسَنِ حالٍ، فزانَت مِنهُ الأقوالُ والأفعالُ! اثبُت ولا تتغيَّرنَّ بعدَهُ في ايام حياتك . و يا مَن سبَقَك القومُ وتخلَّفتَ .. ومضَى أكثرُ العُمر وسوَّفتَ .. وضاعَت عليك فُرصةُ رمضان فما ربِحتَ! هلُمَّ فالأبوابُ لا زالَت مفتُوحة، والتوبةُ مقبُولة، قال الله عز وجل (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر: 53].: و إن مِن سُن الهُدى يا عباد الله صِيامَ ستٍّ مِن شوال؛ فعن أبي أيوب الأنصاريِّ - رضي الله عنه -، أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم – قال :«مَن صامَ رمضان ثم أتبَعَه سِتًّا مِن شوال كان كصِيام الدَّهر» (رواه مسلم). فقد جعلَ الله الحسنةَ بعشرةِ أمثالِها؛ فشهرٌ بعشرة أشهُر، وستَّةُ أيامٍ بعد الفِطر بعشرة أضعافِها بستِّين يوماً ، فتلك تمامُ السنة، ولا بأسَ بصِيامِها مُتتابِعةً أو مُتفرِّقة.  فلا يبخَلَنَّ أحدُكم على نفسِه بستَّةِ أيامٍ، لعلَّه أن يُكتَبَ مِمَّن صامَ الدهرَ .

 هذا وصلوا وسلموا على من أمرَكم الله بالصلاة والسلام عليه فقال - عزَّ مِن قائِلٍ -: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56].وقال صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرَ صَلَوَاتٍ، وَحُطَّتْ عَنْهُ عَشْرُ خَطِيئَاتٍ، وَرُفِعَتْ لَهُ عَشْرُ دَرَجَاتٍ» (رواه النسائي وصححه الألباني)  اللهم صَلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله، .  اللهُمَّ ارضَ عن الخلفاء الراشدين، أبي بكر وعمر وعثمان وعلِيّ، وعن سائر الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وجودك يا أرحم الراحمين.

ــ اللهم أعز الإسلام والمسلمين، واذل الكفرة والملحدين .

ــ اللهم ادفع عنا الغلاء والوبأ ،والربا والزنا، والزلازل والمحن، وسوء الفتن، ما ظهر منها وما بطن .

ــ اللهم إنا نعوذ بك من جهد البلاء، ومن درك الشقاء، وسوء القضاء وشماتة الأعداء .

ــ اللهم إنا نسألك الجنة، وما قرَّب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بك من النار وما قرَّب إليها من قول أو عمل .

ــ اللهم اشف مرضانا، وعاف مبتلانا، وارحم موتانا .

ــ اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من الهالكين ، اللهم سقيا رحمه لا سقيا عذاب .

ــ اللهم اشف مرضانا، وعاف مبتلانا، وارحم موتانا،.

ــ اللهم أطِل أعمارَنا، وأحسِن أعمالَنا، واختِم لنا بخيرٍ يا رب العالمين (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 201]. عباد الله  (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ النحل:(90) فاذكروا اللهَ يذكُركم، واشكُروه على نعمِه يزِدكم، ولذِكرُ الله أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنَعون .


تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة