U3F1ZWV6ZTM1NTgxMTY5NjA2OTA3X0ZyZWUyMjQ0NzY3ODUyMjQwMg==

خطبة الجمعة الثالثة من شهر ذوالقعدة 1443

خطبة الجمعة الثالثة من شهر ذوالقعدة 1443

الأَخْلَاقُ الفَاضِلَةُ رَكِيزَةٌ مِنْ رَكَائِزِ هَذَا الدِّينِ وَأَسَاسٌ فِي بِنَاءِ الفَرْدِ وَالمُجْتَمَعِ؛ فَسَلَامَةُ المُجْتَمَعِ وَقُوَّةُ بُنْيَانِهِ بِتَمَسُّكِهِ بِالأَخْلَاقِ الفَاضِلَةِ.

خطبة الجمعة الثالثة شهر ذوالقعدة

قيم الأخلاق 

الخطبة الأولى :ـ 

إِنَّ الحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْــمَالِنَــا، مَنْ يَهْـــدِهِ اللهُ فَــــلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُـهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْـهِ وَعَلَى آلِهِ وصحبه وَسَلَّمَ تَسْلِيمـاً كَـثِيرًا.

أيها المؤمنون : أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله- رحمكم الله-؛ فتقوى الله خير زاد، واعلموا أن مَنْ ملَك مِنَ الدنيا ما شاء، خرَج منها كما جاء( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) [آل عمران:102]، ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) [النساء:1]، ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ) [الأحزاب:70-71]. أَمَّا بَعْدُ إِنَّ خَيْـرَ الحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ تَعَالَى، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

ايها المؤمنون عباد الله :

فالأَخْلَاقُ الفَاضِلَةُ رَكِيزَةٌ مِنْ رَكَائِزِ هَذَا الدِّينِ وَأَسَاسٌ فِي بِنَاءِ الفَرْدِ وَالمُجْتَمَعِ؛ فَسَلَامَةُ المُجْتَمَعِ وَقُوَّةُ بُنْيَانِهِ بِتَمَسُّكِهِ بِالأَخْلَاقِ الفَاضِلَةِ.. وَإِنَّمَا الأُمَمُ الأَخْلَاقُ مَا بَقِيَتْ فَإِنْ هُمُ ذَهَبَتْ أَخْلَاقُهُمْ ذَهَبُوا...ما قيمةُ النفسِ بلا أخلاقٍ، وما معنى الحياة إذا لم تكن في دائرة الخُلُق الحَسَن، الأخلاق الحسنة هي عمادُ الأممِ، إِنْ سادَتْ أخلاقُهم سادُوا، وإِنْ بادَتْ أخلاقُهم بَادُوا، فبالأخلاق الفاضلة تَسُود الأممُ، وتستقرّ المجتمعاتُ، وتسمو الأُسَرُ، وتنحسر العداواتُ، وتنشرح الصدورُ، ألَا إنَّ الأمم لا تنهض إلا بما تَحمِلُه من سجايا صالحة، وأخلاق كريمة، لا بما تَملِكُه من حطام الدنيا وزخرفها، فإنَّ حظوظَ الدنيا تأفُل وتزول، والأخلاق تظلُّ راسيةً رسوَّ الجبالِ؛ فالأخلاق الطيبة، هي السراج الوهَّاج، الذي ما بُعِثَ رسولُ الْهُدَى - صلى الله عليه وسلم- إلا ليُتَمِّم ضوءَه للناس كافةً، كما في قوله الثابت عنه: "إنما بُعِثتُ لأتممَّ صالحَ الأخلاقِ". إنَّه يا عباد الله لا قيمة لمنصب بلا أخلاق، ولا لجاه بلا أخلاق، ولا لغنى بلا أخلاق، ولا لجيرة بلا أخلاق، ولا لصداقة بلا أخلاق، ولا لعلم بلا أخلاق، يا عبد الله: الناس لا يرون من إيمانك ولا عبادتك إلا بما يرونه من خُلُقِك وسلوكك وتعاملك، فالدين مقرون بالمعامَلة، فقبل أن يكون المصحف في الصدر أو في الجيب، فليكن في الخُلُق والعمل، وقبل أن يحدِّث المرءُ الناسَ عن الدين وسماحته وكماله فليحدثهم بسلوكه وذوقه وتعامله، والمعيار الدقيق، والميزان الصادق في ذلك كله ما جاء في الخبر الصحيح، عن المصطفى - صلى الله عليه وسلم قال : (أن تحب لأخيك ما تحب لنفسك، وأن تأتي الناس بمثل ما تحب أن يأتوك به )، وَأَوْصَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ الكِرَامَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ بِحُسْنِ الخُلُقِ؛ فَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِــعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ» [أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ، وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ]، إنَّ حُسْنَ الخُلُقِ يا عباد الله سَبَبٌ لِرِفْعَةِ الدَّرَجَاتِ، وَبِهِ يُدْرِكُ المُسْلِمُ دَرَجَةَ الصَّائِمِ القَائِمِ؛ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ )[رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ]. 

معشر المسلمين:

 الأخلاق كلمة عامة، تشمل قولَ اللسانِ، وعملَ القلبِ والجوارحِ، ألَا ترون قولَ عائشة - رضي الله تعالى عنها- عن النبي - صلى الله عليه وسلم-: "كان خلقه القرآن"، وهل القرآن إلا تشريعٌ واعتقادٌ وأخلاقٌ؟! وهل الأخلاق إلا كالشجرة، يسقيها الحِلمُ والكرمُ، والصدقُ والتواضعُ، والصفحُ والتجاوزُ، والعفافُ وحُسنُ الظنِّ، فالدينُ الحقُّ يُعَدّ منظومةً متكاملةً من العبادات والأخلاق، فحصرُها في جانبٍ دونَ آخَرَ إزراءٌ بِنَبِيِّ الأمةِ - صلوات الله وسلامه عليه-، وبسلفها الصالح، فإنَّ الذي بعَثَه بأركان الإسلام هو الذي قال له: (وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)[آلِ عِمْرَانَ: 159]؛ لأنَّه لا فائدةَ من نهج خليٍّ من الأخلاق، ولا أثرَ صالحًا متعديًا لمن ينتسِب إلى الإسلام وهو سليطُ اللسانِ، غليظُ القلبِ، يَلمِز هذا، ويشتم ذاك، ويغتاب هذه، ويرمي تلك، فالأخلاقُ ميدانٌ واسعٌ، يستوعِب كلَّ شأن من شؤون الحياة؛ فهو ليس مختصًّا بالصداقة وحسبُ، ولا بالقربى، ولا بالجوار، ولا بالدعوة، بل هو معنًى مُطلَقٌ لا يتنصَّف ولا يتجزَّأ، بحيث يُستعَمل في جانبٍ دونَ آخَرَ، بل هو مفهومٌ شاملٌ، إذ لا معنى للحِلْم مع القريب دونَ البعيد، ولا معنى لعِفَّة اللسان في التعامُل مع الصاحب، وفِقْدانها في التعامُل مع الخَصْم والجارِ، لذا كان لزامًا أن تتوفر الأخلاق في الشريف، كما تتوفر في الضعيف، وتتوفر في القاضي كما تتوفر في المعلِّم، وتتوفَّر في الطبيب، كما تتوفَّر في المُزارع، فلا يُعذَر أحدٌ في إهمالها، ولا يُستثنى أحدٌ من المطالبة بها، فحُسنُ الخُلُق لا تُؤثِّر فيه الخصوماتُ، ولا تَطمِسُه العداواتُ، لذا تَجِدُونَ ذا الخلقِ الحسنِ حليمًا سمحًا، قويًّا من غير عُنف، ولَيِّنًا من غير ضَعْف، لا غلَّ فيه ولا حسدَ، ولا يكون مثلُ هذا إلا لمن صدَق مع الله ومع الناس، والله -جل وعلا- يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)[التَّوْبَةِ: 119].

معشر المسلمين، معاشر المربِّين: علِّموا الناشئةَ أن الدين خلق كله، وأن من زاد عليك في الخُلُق فقد زاد عليك في الدين، ربُّوهم على أن الدين في الابتسامة والسرور، وان الدينُ يسرٌ، وسكينةٌ، وطمأنينةٌ، والتبسمُ صدقةٌ وعبادةٌ، علموهم أن يكلموا الناس ووجوههم إليهم منبسطة، بكلمات لطيفة، وعبارات رقيقة، علموهم أن صلاح القلب في سلامته من الحسد، ومن الحقد ومن الرياء والغلظة؛ ليكون قلبًا صادقًا وسليمًا، ومحبًّا لكل الناس. ربُّوا الناشئة على أن العبادة كما هي في المسجد فهي في البيت؛ حين تبَرَّ والديكَ، وتصل رحمك، وهي في الشارع حين تقضي مصالح الناس، وحاجاتهم، وحين تُلقي السلام على من عرفت ومن لم تعرف، ، بيِّنُوا لهم أن من ضعف الخلق الاشتغال بعيوب الناس عن عيوب النفس، علموهم أن التسامح ليس ضَعفًا، ربُّوهم حينما يرون مرضى أو يمرون بمستشفى أن يدعو الله بشفاء كل مريض، ورفع البلاء عن كل مبتلًى، فهذا من مكارم الأخلاق، كما أنه من أفضل العبادات. ربُّوهم على طلاقة الوجه، والأمر بالمعروف، والعفو والجود، والصبر والرحمة ، وإغاثة الملهوف، وإطعام الجائع، وكسوة العاري، ولطف الكلام، مع مَنْ عرفوا ومَنْ لم يعرفوا، ربُّوهم على احترام القريب والغريب، والأدب مع الصغير والكبير، والمشارَكة في الأحزان والأفراح، وحُسْن التعامل مع كل الناس ، ربوهم على حفظ الوقت، وإتقان العمل، والحياء والعفة والاستقامة والفضيلة ، أعمال غير مكلِّفة، ولكنها أغلى من الذهب، أعمال يسيرة، ولكنها في الميزان ثقيلة، علِّموهم أن المرء يبلغ بحُسْن خلقه درجة الصائم القائم، كما صح في ذلك الحديث عن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

ايها المؤمنون عِبَادَ اللهِ:

إِنَّ مِمَّا يُعِينُ المُسْلِمَ عَلَى اكْتِسَابِ الأَخْلَاقِ الحَسَنَةِ: الْعِلْمَ بِمَنْزِلَةِ حُسْنِ الْخُلُقِ فِي الدِّينِ؛ فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى كَمَالِ الإِيمَانِ؛ كَمَا قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: { أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا } [رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ]. وَحُسْنُ الْخُلُقِ سَبَبٌ لِنَيْلِ مَحَبَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقُرْبِ مِنْهُ؛ فَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: { إِنَّ مِنْ أَحَبِّـكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَــكُمْ أَخْلَاقًا } [رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ]. و الدُّعَاءُ خَيْرُ مُعِينٍ عَلَى اكْتِسَابِ الخُلُقِ الْحَسَنِ وَاجْتِنَابِ الْخُلُقِ السَّيِّـئِ؛ فَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو رَبَّهُ فِي صَلَاتِهِ أَنْ يَهْدِيَهُ إِلَى أَحْسَنِ الأَخْلَاقِ فَكَانَ يَقُولُ: { وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ } [رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ]. وَمِمَّا يَحُثُّ المُسْلِمَ عَلَى الِاتِّصَافِ بِالْخُلُقِ الْحَسَنِ: التَّفَكُّرُ فِي عَوَاقِبِ سُوءِ الخُلُقِ وَآثَارِهِ السَّيِّئَةِ: مِنَ الحَسْرَةِ وَالنَّدَامَةِ، وَوُقُوعِ البَغْضَاءِ فِي قُلُوبِ الْخَلْقِ. وَصَاحِبُ الخُلُقِ الحَسَنِ مَوْعُودٌ بِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الجَنَّةِ؛ فَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: { أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ [أَيْ: أَطْرَافِهَا] لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا، وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا، وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ } [رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ]. فَالمُسْلِمُ بِحَاجَةٍ إِلَى أَنْ يُوَطِّنَ نَفْسَهُ عَلَى الحِلْمِ وَالعَفْوِ وَالصَّفْحِ وَحِفْظِ اللِّسَانِ، وَمُقَابَلَةِ الإِسَاءَةِ بِالإِحْسَانِ، وَأَنْ يُجَاهِدَ نَفْسَهُ عَلَى ذَلِكَ؛ فَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: { إِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ، وَإِنَّمَا الْحِلْمُ بِالتَّحَلُّمِ، مَنْ يَتَحَرَّ الْخَيْرَ يُعْطَهُ، وَمَنْ يَتَوَقَّ الشَّرَّ يُوقَهُ } [رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الأَوْسَطِ، وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ].  فَمَنْ تَحَلَّى بِالفَضَائِلِ، وَتَخَلَّى عَنِ الرَّذَائِلِ حَصَلَ لَهُ خَيْرٌ كَثِيرٌ، وَانْدَفَعَ عَنْهُ شَرٌّ مُسْتَطِيرٌ، قال الله عز وجل ( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ) [العنكبوت:69].

عباد الله: 

لا يستطيع مجتمع أن يعيش عيشة هنيئة ما لم تربط أفرادَه روابطُ متينةٌ من الأخلاق الكريمة، يقول الغزالي - رحمه الله-: “الألفة ثمرة حُسْن الخُلُق، والفرقة ثمرة سوء الخلق“، ويقول أبو حاتم: “حُسْن الخُلُق يذيب الخطايا، كما تذيب الشمس الجليد، وسوء الخلق يفسد العمل، كما يفسد الخلُّ العسلَ“. الأخلاق والقيم هي الرقيب الذي يدفع للعمل والشعور بالمسئولية، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)[فُصِّلَتْ: 34-36].بارَك اللهُ لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإيَّاكم بما فيه من الآيات والذِّكْر الحكيم، أقول قُولِي هذا، وأستغفِر اللهَ لي ولك، ولسائر المسلمين والمسلمات من كل ذنب وخطيئة، ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الخطبة الثانية :ـ

الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وأَشْهَدُ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

أَمَّا بَعْدُ معشر المسلمين :

فَاتَّقُوا اللهَ، وَاعْمَلُوا بِطَاعَتِهِ، وَتَجَنَّـبُوا مَا يُسْخِطُهُ وَيُغْضِبُهُ قال الله عز وجل( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) [الحشر:18] . ثم اعلموا أن القلوبَ مخازنُ الأخلاقِ، وأن الشفاهَ أبوابُها، والألسنَ أقفالُها، والجوارحَ مفاتيحُها، فلَينظُرِ المرءُ ما يَفتَح منها وما يَغِلق، ولْيَحذَرِ الشدائدَ؛ فإنَّها تَكشِف مخازنَ الأخلاقِ، ولنستحضر جميعًا أنَّ الكمالَ لله وحدَه، والعصمةَ لنبيِّه - صلى الله عليه وسلم-، فمَنْ ذا الذي ما ساء قطُّ ومَنْ له الحسنى فقط؛ إذ كُلُّنا بشرٌ نُخطئ ونُصِيب، ونغضب ونَحلُم، وتعلو أصواتنا على أصواتِ بعضٍ، ونُحسِن الظنَّ تاراتٍ، ورُبَّما أسأناهُ تاراتٍ أخرى؛ لذا كان حريًّا بنا أن نُروِّضَ أنفسَنا على كتم الغضب، أو التراجع عنه، وعلى أن نُذْكِيَ الحِلمَ في أنفسنا، ونُحسِنَ الظنَّ بالآخَرينَ، ونعود سريعًا إلى الصواب دون توانٍ؛ فإنَّ الناسَ إذا ساءت طباعُهم فهم أسواء، ولا يَمِيز بعضَهم عن بعض إلا أخلاقٌ يعيشون بها، وإنَّ الناس ليسوا سواءً في الأخلاق أيضًا، فَمْنهم مُقِلٍّ ومنهم مُكثِرٍ، وعلى المجتمع أن يَشُدَّ بعضُه أزرَ بعضٍ في ذلكم؛ فالمتعلم يُرشِد الجاهلَ، والذاكرُ يَحُضُّ الغافل، فالمؤمنُ للمؤمنِ كالبنيانِ يشدُّ بعضُه بعضًا؛ انطلاقًا من رائدَي الأسرة؛ الأب والأم، ثم مرورًا بالمدرسة، والسوق، والعمل، والجلساء؛ ليقطِفَ المجتمعُ المسلمُ الأخلاق الحسنة، والحفاظ على سقفٍ ملائمٍ له مِنْ حُسن الخُلُقِ، المثمِر التوادَّ والتراحمَ والتعاطفَ، والله -جل وعلا- يقول: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)[الْحُجُرَاتِ: 10].

هذا وصلوا وسلموا على من أمرَكم الله بالصلاة والسلام عليه فقال - عزَّ مِن قائِلٍ:﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]، وقال صلى الله عليه وسلم : «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرَ صَلَوَاتٍ، وَحُطَّتْ عَنْهُ عَشْرُ خَطِيئَاتٍ، وَرُفِعَتْ لَهُ عَشْرُ دَرَجَاتٍ» (رواه النسائي وصححه الألباني)  اللهم صَلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله، .  اللهُمَّ ارضَ عن الخلفاء الراشدين، أبي بكر وعمر وعثمان وعلِيّ، وعن سائر الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وجودك يا أرحم الراحمين.

ــ اللهم أعز الإسلام والمسلمين، واذل الكفرة والملحدين .

ــ اللهم ادفع عنا الغلاء والوبأ ،والربا والزنا، والزلازل والمحن، وسوء الفتن، ما ظهر منها وما بطن 

ــ اللهم إنا نعوذ بك من جهد البلاء، ومن درك الشقاء، وسوء القضاء وشماتة الأعداء .

ــ اللهمَّ إنا نسأَلُكَ رِضَاكَ والْجَنَّةَ، ونعوذُ بكَ مِن سَخَطِكَ والنارِ. ــ اللهم اشف مرضانا، وعاف مبتلانا، وارحم موتانا .

ــ اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من الهالكين ، اللهم سقيا رحمه لا سقيا عذاب .

ــ اللَّهُمّ اغفر لنا ولوالدينا ، وللْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ، وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ ، الْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْأَمْوَاتِ  

(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 201]. عباد الله  (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ النحل:(90) فاذكروا اللهَ يذكُركم، واشكُروه على نعمِه يزِدكم، ولذِكرُ الله أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنَعون .

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة