U3F1ZWV6ZTM1NTgxMTY5NjA2OTA3X0ZyZWUyMjQ0NzY3ODUyMjQwMg==

خطبة الحمعة الخامسة من شهر ذي الحجة 1443

 خطبة الجمعة الخامسة من شهر ذي الحجة 1443

خطبة الجمعة الخامسة من ذي الحجة

بعنوان توديع عام هجري 1442هــ مضى

الخطبة الأولى :

الحمدُ للهِ، المحمودِ بجميعِ المحامِدِ تَعظيماً وتَشريفاً وثَناءً، المُتَّصِفِ بصِفاتِ الكَمالِ، عِزَّةً وقُوَّةً وكِبْرِياءً، بهِ نَصولُ، وبهِ نَجولُ، وبهِ نُؤمِّلُ دَفْعَ الكُروبِ شِدَّةً وبَلاءً،. وأشهدُ أنْ لا إلَهَ إلّا اللهُ، وحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُ اللهِ ورسولُه، أفضلُ هذهِ الأمَّةِ جِهاداً وكفاء، وأعظمُها قُدوةً واصْطِفاءً، صلى الله وسلمَ وباركَ عليهِ وعلى آلهِ وصحبهِ، الذينَ ضَربوا أروَعَ الأمثِلَةِ صَفاءً ووَفاءً، وطُهْراً، ونَقاءً، والتابعينَ ومَنْ تَبِعَهُم وسارَ على نهْجِهِم؛ اهْتِداءً، واقْتِداءً، وسَلَّمَ تَسليماً؛ يَزيدُنا بَهجةً ونُوراً وضِياءً، . 

أُوصِيكم - أيها الناس - ونفسي بتقوَى الله، فاتقُوا الله - رحمَكم الله -؛ فالدنيا دارُ ممَر، والآخرة هي القرارُ والمقرُّ، فتزوَّدُوا من مَمرِّكم إلى مقرِّكم قال الله تعالى  ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ )آل عمران: 102).... (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)..... ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾)الأحزاب(70، 71) . اما بعد فان اصدق الحديث كتاب الله واحسن الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم وشر الامور محدثاتها وكل محدثة بدعه وكل بدعة ضلاله وكل ضلالة في النار أعاذني الله واياكم منها .

أيها المؤمنون عباد الله  :ـــ 

ما أسرع مرور الأيام، وما أشدّ تعاقب الليل والنهار، . بالأمس القريب ودعنا شهر رمضان الذي مضى وكأنّه حلم جميل .. ثم مضى بعده موسم الحج وكأنّه طيف خيال أو عابر سبيل مرَّ مرور الكرام وانصرف. واليوم نحن في وداع عام هجري كامل ... ماذا أدينا فيها من أعمال؟! وماذا قدَّمنا من طاعات؟ وماذا اكتسبنا فيها من أجور وحسنات؟ كم آية من القرآن قرأنا؟ وكم صلاة ركعنا فيها وسجدنا؟ وكم من مالً أنفقنا وتصدقنا؟ وكم من الأيام صُمنا؟ وكم من المعروف بذلنا؟ كم يتيم مسحنا دمعته؟ وكم مسكين فرَّجنا عنه كربته؟ وكم بائيسٍ فقير سددنا خلّته وقضينا حاجته؟ وكم آمر بالمعروف ناهٍ عن المنكر شددنا أزره وباركنا خطاه؟ كم معصية ركبنا؟ وكم نظرة خائنة نظرنا؟ وكم رجل أو امرأة اغتبنا؟ وكم من حدود الله انتهكنا؟ وكم من ضعيف ظلمنا؟ وكم من فقير أو مسكين أو يتيم أهملنا؟ وكم من الساعات والأيام غفلنا؟.

معاشر المسلمين:ـ  اتقوا الله واعتبروا بما ترون وتسمعون. تمر الشهور بعد الشهور والأعوام بعد الأعوام ونحن في سبات غافلون. قيل لنوح عليه الصلاة والسلام وقد لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً: كيف رأيت هذه الدنيا فقال: كداخل من باب وخارج من آخر. فاتقوا الله أيها الناس. وتفكروا في هذه الأيام والليالي . فطوبي لعبد اغتنم حياته بما يقربه إلى مولاه. وطوبى لعبد شغل حياته  بالطاعات واتعظ بما فيها من العظات وانقضاء الأعمار. وطوبى لعبد أستدل بتقلب الليل والنهار  قال عز وجل ﴿ يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ ﴾ (النور: 44)  ان جمعتكم هذه يا عباد الله هي آخر جمعة من هذا العام الهجري. فهنيئاً لمن أحسن فيه واستقام. وويل لمن أساء وارتكب الأجرام. فهل نتساءل، كيف قضيناه وما أودعناه فيه، ولنفتش كتاب أعمالنا كيف أمليناه، فإن كان خيراً حمدنا الله وشكرناه. وإن كان شراً تبنا إلى الله واستغفرناه، ولينظر كل منا في أمره فإن كٌنا من المفرطين وهذا هو الواقع وهو الحاصل أننا فرطنا وأكثرنا التسويف وأكثرنا الآمال وضيعنا الليالي والأيام، فكم من يومٍ فضيل صيامه ما صمناه، وكم من ساعة فضِيلٌ قيامها لم نقمها، فليحاسب منا كلاً نفسه، ألم تروا إلى هذه الأعوام تتجدد عاماً بعد عام. فأنتم تودعون عاماً شهيداً عليكم. وتستقبلون عاماً جديداً مقبلاً إليكم. فبماذا تودعون عامكم، فليقف كل منا مع نفسه محاسباً ماذا أسلفت في عامها الذي أنصرم، فإن كان خيراً ازداد وإن يكن غير ذلك أقلع وأناب. فإنما تُمحي السيئة بالحسنة. قال - صلى الله عليه وسلّم -: "وأتبع السيئة الحسنة تمحها". ليحاسب كل منا نفسه عن فرائض الإسلام وأدائها. عن حقوق المخلوقين والتخلص منها. عن أمواله التي جمعها من أين جاءت وكيف ينفقها. 

معشر المسلمين :ــ كم من ٌأُناسٌ مَرِضَتْ بعدَ صِحَّةٍ، وصَحَّتْ بعدَ مَرَض، وهانَتْ بعدَ كَرامَةٍ، وكَرُمَتْ بعد هَوان، وفَزِعَتْ بعدَ أمْنٍ، وأمِنَتْ بعدَ فَزَع،  (وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) [آل عمران: 140]، ولا يَدومُ على هذهِ الدُّنيا حالٌ، فَسُبْحانَ مَنْ يُغَيِّرُ ولا يَتَغَيَّر. عامٌ كاملٌ تَصَرَّمَتْ أيَّامُه، هي رأسُمالِنا في هذهِ الحياةِ الدنيا، وما هذهِ الدنيا إلّا تَقَلُّبٌ بينَ يَقَظَةٍ ونومٍ، وليلٍ ونهار، وسرورٍ، وحَزَن، ومَشْيٍ ووُقوف (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا) [الفرقان: 62]. قال الحافظُ ابنُ كثيرٍ - رحمهُ الله-: "جعلَ اللهُ الليلَ والنهارَ، يتَعاقَبان؛ تَوقيتاً لِعبادَتهِ عَزَّ وجَلَّ، فمَنْ فاتَهُ عملٌ في الليلِ استدرَكَهُ في النهار، ومنْ فاتهُ عملٌ في النهارِ استدركهُ في الليل". وقد جاء في الحديث الصحيح قال صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ اللهَ -عز وجل- يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا" (رواه مسلم). قالَ قَتادَةُ - رحمهُ الله-: "فَأرُوا اللهَ - تعالى- من أعمالِكم خيراً في هذا الليلِ والنهار، فإنَّهما مَطِيَّتانِ( اي هما راحلتان ) تَحمِلانِ الناسَ إلى آجالهِم، تُقَرِّبانِ كُلَّ بعيدٍ، وتُبْلِيانِ كُلَّ جديد، وتَجيئانِ بِكُلِّ مَوعودٍ إلى يومِ القيامة".

 نِسيرُ إلى الآجَالِ في كلِّ لحْظَةٍ *** وأعْمارُنا تُطْوى وهُنَّ مَراحِلُ

تَرَحَّلْ من الدنيا بِزادٍ من التُّقى *** فَعُمْرُكَ أيَّامٌ وهُنَّ قَلائِلُ

وما هذهِ الأيامُ إلّا مَراحِلٌ *** يحُثُّ بِها حَادٍ إلى الموتِ قَاصِدُ

وأعْجَبُ شَيءٍ لو تَأمَّلْتَ أنَّها *** مَنازِلُ تُطْوى والمُسافِرُ قَاعِدُ

معاشر المسلمين :ـ لنتذكر بانقضاء العام انقضاء العمر. وبسرعة مرور الأيام قرب الموت. وبتغير الأحوال زوال الدنيا وحلول الآخرة. على حد قول الشاعر:  إنا لـــنـفـرح بالأيام نــقطـعـها *** وكل يوم مضى يُدني من الأجل 

فكم وُلد في هذا العام من مولود، وكم مات فيه من حي، وكم استغنى فيه من فقير، وافتقر فيه من غني، وكم عُز فيه من ذليل، وذل فيه من عزيز، قال عز وجل ﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [آل عمران: 26، 27]. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم ، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، من كل ذمب وخطئه فاستغفروه وتوبوا اليه، إنه هو الغفور الرحيم .

الخطبة الثانية :

الحمدُ لله، الحمدُ لله العلِيِّ في قَدره، العزيزِ في قَهره، أحمدُه - سبحانه - على حُلوِ القضاء ومُرِّه، وأسألُه الإعانةَ على حُسن عبادتِه وذِكرِه وشُكرِه، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله،. اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه. أما بعد معا شر المؤمنين: اتقوا الله – فالتقوى ــ خيرُ زادٍ في المعاش والمعاد، ( وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) (البقرة: 197) وتقوَى الله للأوَّاهِ زادٌ *** فنِعمَ الذُّخرُ في الأخرى مآبًا.. فلازِم دربَها تظفَر بخيرٍ   *** وحقِّق حُكمَها تُحرِز ثوابًا

قالَ الحسنُ البَصري: "يا ابنَ آدم إنما أنتَ أيامٌ كُلَّما ذهبَ يومٌ ذهبَ بَعْضُكَ". فالعُقَلاءُ يَعلمونَ أنَّ الحياةَ ساعاتٌ يَسيرونَ بها إلى الدارِ الآخِرَة، حتى يَبْلُغوا آخرَ نَفَسٍ يَتَنَفَّسونَه، وآخِرَ لُقْمَةٍ يأكُلونَها، وآخرَ شَرْبَةٍ يَشربونَها، ، وآخرَ لِباسٍ يَلبَسونَه وآخِرَ خَطْوَةٍ يَخطونَها. إنَّ مُضِيِّ الليلِ والنهار، يُباعِدُنا منْ الدنيا، ويُقَرِّبُنا إلى الآخِرَة، فَطُوبَى لِعَبْدٍ تَنَبَّهَ لذلك. روى البخاري عن ابن عمرَ - رضي الله عنه- قال: أخَذَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم- بمَنْكِبي ثُمَّ قالَ لي: "يا ابنَ عمر كُنْ في الدنيا كأنَّكَ غريبٌ أو عَابِرُ سَبيل"، وكانَ ابنُ عمرَ يقول:" إذا أمْسَيْتَ فلا تَنْتَظِرْ الصباحَ، وإذا أصبَحْتَ فلا تنتظرْ المساء، وخُذْ من صِحَّتِكَ لمَرَضِك، ومن حياتِكَ لموتِك". نعم، فـ "كُلُّ الناسِ يَغْدو فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُها أو مُوبِقُها". عامٌ كاملٌ تصرَّمَتْ أيامُه فلا إلهَ إلَّا اللهُ كَمْ شَقِيَ فيهِ أُناسٌ، وسَعِدَ فيهِ آخرون. كم طِفلٍ تَيَتَّمَ! وامرأةٍ تَرَمَّلَتْ! ومريضٍ تَعافى! وسَقيمٍ في الترابِ تَوارى !أهلُ بيتٍ يُشَيِّعونَ مَيِّتاً! وآخرونَ يَزُفُّونَ عروساً! دارٌ تَفْرَحُ بمولودٍ! وأخرى تُعَزَّى بمَفْقُود! الدنيا سَفَرٌ إلى الآخرة: (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاع) مَتاعُ ماذا؟ متاعُ البَقاء، متاعُ الفَرَحِ والسُّرور، قال: (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) [آل عمران: 185]، إنَّ الشَّرْبَةَ التي نَشْرَبُها ثُمَّ نَتَبَوَّلُها، تقول: إنَّما الدنيا مَتاع، إنَّ اللباسَ الذي نَلْبَسُهُ، ثم نَنْزِعُه يقول: إنما الدنيا مَتاع، إنما الصَيفُ والشِّتاءُ اللذانِ يَتَعاقبانِ علينا يقولان: إنَّما الدنيا متاع.       إنَّ للهِ عِباداً فُطَنا *** طَلَّقوا الدنيا وخافوا الفِتَنَ

       نَظَروا فيها فلمَّا عَلِموا *** أنَّها لَيْسَتْ لحَيٍّ سَكَنا 

       جَعَلوها لجَّةً واتَّخَذوا *** صَالحَ الأعمالِ فيها سُفُنا

قال داود الطائي - رحمه الله تعالى- يوماً لرجُلٍ من قَومِهِ: "يا أخي إنَّما الليلُ والنهارُ مَرَاحِلٌ، تَنْزِلُ بالناسِ مَرْحَلَةً مَرْحَلَة، حتى يَنتهي بهم ذلكَ إلى آخِرِ سَفَرِهم، فإنْ استَطَعْتَ أنْ تُقَدِّمَ في كُلِّ يَومِ مَرْحَلَةٍ زاداً لما بينَ يديهِ؛ فافْعَل". عامٌ كاملٌ تَصَرَّمَتْ أيَّاُمُه، فَماذا أوْدَعْنا في عامِنا المُنْصَرِم، إنَّ أقْواماً أوْدَعوا فيهِ صَلَواتٍ وصَدَقاتٍ وتِلاوَةً وذِكْراً وأمْراً بمَعروفٍ ونهْياً عن مُنْكَرٍ وبِرَّاً لِوالِدَين.. وأقوامٌ أودَعوا فيها سيئات وغير ذلك نسأل الله لنا ولهم الهداية .. 

فاعْمَلْ لِنَفْسِكَ قَبْلَ المَوتِ مجْتَهِداً *** فإنَّما الرِّبْحُ والخسْرانُ في العَمَلِ 

قالَ بعضُ الحُكَماءِ: كيفَ يَفرَحُ مَن يومُه يَهْدِمُ شَهْرَهُ، وشَهرُهُ يَهدِمُ سَنَتَه، وسنتُهُ تَهدِمُ عُمُرَه، كيفَ يفرحُ من عُمُرَهُ يَقودُهُ إلى أجَلِهِ، وحَياتُهُ تَقودُهُ إلى مَوتِه . قال عبدُاللهِ بنُ مسعودٍ - رضي الله عنه-: "إنَّكم في مَمَرِّ الليلِ والنهارِ في آجالٍ مَنْقُوصَةٍ وأعمارٍ مَحفوظَةٍ، والموتُ يأتي بَغْتَةً، فَمَنْ يَزْرَعْ خَيراً؛ يُوشِكُ أنْ يَحْصُدَ رَغْبَةً، ومن يَزرعْ شَرَّاً؛ يُوشِكُ أنْ يَحصُدَ نَدَامَةً، لِكُلِّ زَارِعٍ مِثْلَ ما زَرَعَ، فمن أُعطِيَ خيراً فاللهُ أعطاهُ، ومن أُعطيَ شَرَّاً فاللهٌ وَفَّاهُ، المُتَّقونَ سَادَةٌ، والفُقَهاءُ قَادَةٌ ومجَالِسُهُم عِبادَة". لما حَضَرَتْ الوَفاةُ عبدَاللهِ بنَ مسعودٍ بكى - رضي الله عنه-، قيلَ لَه: ما يُبْكيكَ يا صاحبَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم-، أَتَبْكي على فِراقِ دُنيانا؟ قال: واللهِ ما على فِراقِ دُنياكم هذهِ بَكَيْتُ؛ إنَّما أبْكي على فَواتِ صِيامِ الهَواجِرِ، - يعني الأيامَ شديدةَ الحَرِّ – وقِيامِ لياليَ الشِّتاءِ، ومُجالَسَةِ أقْوامٍ يَنْتَقونَ أطايِبَ الكلامِ كما يَنتَقي أطايِبَ التَّمرِ آكِلُه.  {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الحشر: 18]. قال الإمام ابن كثير رحمه الله: "أي حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وانظروا ماذا ادخرتم لأنفسكم من الأعمال الصالحة ليوم معادكم وعرضكم على ربكم"، فالمؤمن يحاسب نفسه لأنّه يعلم أنّه سوف يحاسب غداً بين يدي الله عز وجل، ألا فاتقوا الله – عباد الله -، وتفاءَلوا بالخير، نسأل الله أن تختم عامنا هذا بالعفو والغفران، والرحمة والجود والامتنان، انه سميع مجيب الدعوات.

عباد الله . هذا وصلوا و سلموا على نبيكم  محمد صلى الله عليه وسلم فقد أمركم الله بذلك فقال قولاً كريماً :﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]، وقال صلى الله عليه وسلم : «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرَ صَلَوَاتٍ، وَحُطَّتْ عَنْهُ عَشْرُ خَطِيئَاتٍ، وَرُفِعَتْ لَهُ عَشْرُ دَرَجَاتٍ» (رواه النسائي وصححه الألباني)  اللهم صَلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله، .  اللهُمَّ ارضَ عن الخلفاء الراشدين، أبي بكر وعمر وعثمان وعلِيّ، وعن سائر الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وجودك يا أرحم الراحمين. اللهم اهدنا فمن هديت وعافنا فمن عفيت وتولنا فمن توليت .اللهم أعز الإسلام والمسلمين، واذل الكفرة والملحدين ، اللهم آت نفوسنا تقواها .  وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها, اللهم ادفع عنا الغلاء والوبأ ،والربا والزنا، والزلازل والمحن، وسوء الفتن، ما ظهر منها وما بطن، اللهم إنا نعوذ بك من جهد البلاء، ومن درك الشقاء، وسوء القضاء وشماتة الأعداء، اللهمَّ إنا نسأَلُكَ رِضَاكَ والْجَنَّةَ، ونعوذُ بكَ مِن سَخَطِكَ والنارِ, اللهم اشفِ مرضانا، ومرضى المسلمين وعافي مُبتلانا، ومبتلى المسلمين. ، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين ,اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من اليائسين ,اللهم سقيا رحمه لا سقيا عذاب، اللَّهُمّ اغفر لنا ولوالدينا ، وللْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ، وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ ، الْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْأَمْوَاتِ ﴿ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾  )الأعراف: ﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ (البقرة: 201) عباد الله ان الله يأمركم بثلاث وينهاكم عن ثلاث (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ النحل:(90) فاذكروا اللهَ يذكُركم، واشكُروه على نعمِه يزِدكم، ولذِكرُ الله أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنَعون ..

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة