U3F1ZWV6ZTM1NTgxMTY5NjA2OTA3X0ZyZWUyMjQ0NzY3ODUyMjQwMg==

خطبة الجمعة الثالثة من شهر ذي الحجة 1443

خطبة الجمعة الثالثة من شهر ذي الحجة 1443


خطبة الجمعة الثالثة من شهر ذي الحجة

عنوان الخطبة أهمية صلة الأرحام

خطبة الأولى:ـ

الحمد لله، الحمد لله الذي خلقَ من الماء، بشرًا فجعله نسبًا وصِهرًا، وكان ربُّك قديرًا، وهو الذي جعل بين العباد وشائِجَ ووصائِلَ، ووصَّى بها خيرًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، دعاء عباده إلى صلة الأرحام، وحذَّرَهم من القطيعة والخصام وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه بعثَه الله بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسِراجًا مُنيرًا، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولِك محمدٍ وعلى آله وصحبِه صلاةً وسلامًا كثيرًا.

عباد الله :ـ أوصيكم ونفسي بتقوى الله وطاعته، فطاعتُه أجَلُّ نعمةٍ، وتقواه أعظمُ عصمةٍ؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102].، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النِّسَاءِ:1]،أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ. 

أيها المؤمنون عباد الله:- أن الله - بمنِّه وكرمِه - فصَّل في كتابِه كلَّ شيءٍ، وأرشدَكم رسولُ الهُدى - عليه الصلاة والسلام - إلى ما يُقرِّبُكم من الجنة، ويُباعِدُكم من النار، ويُسعِدكم في هذه الدار، فصِلةَ الأرحام يا عباد الله، حقٌّ طوَّقَه الله الأعناق، وواجبٌ أثقلَ الله به الكواهِل، وأشغلَ به الهِمَم، وقد أكَّد الله على صِلَة الأرحام، وأمرَ بها في مواضِع كثيرة من كتابه الكريم ، قال الله عز وجل: ﴿ وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا ﴾ [الإسراء: 26]. وجعل الأرحام بعد التقوى، فقال - عز وجل -: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]. فصلة الأرحام، والإحسانُ إليهم، صفةٌ كريمةٌ، تعلو بها المراتبُ، وتَحسُن بها العواقبُ، أخَذ اللهُ عليها ميثاقَ أهل الكتاب مِن قَبلِنا، قال الله عز وجل : ﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ﴾ [البقرة: 83]. وفي حديثِ عبد الله بن سلام - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال أوَّلَ مقامٍ بالمدينة: «أيها الناس! أفشُوا السلامَ، وأطعِموا الطعام، وصِلُوا الأرحام، وصلُّوا بالليل والناسُ نِيام؛ تدخُلُوا الجنةَ بسلامٍ»؛ رواه البخاري. وثوابُ صِلَة الأرحام يا عباد الله، لها أجرٌ للمؤمن في الدنيا، وأجرٌ لصاحبِها في الآخرة؛ عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من سرَّه أن يُبسَطَ له في رِزقِه، وأن يُنسَأَ له في أثَره فليصِلْ رَحِمَه»؛ رواه البخاري والترمذي، وعن عليٍّ - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من سرَّه أن يُمدَّ له في عُمرِه، ويُوسَّع له في رِزقِه، ويُدفَع عنه ميتةُ السوء، فليتَّقِ اللهَ وليصِلْ رَحِمَه»؛ رواه الحاكم والبزار. وهي من خصال نبيِّنا صلى الله عليه وسلم-، ومن فضائله التي عُرِفَ بها قبلَ بِعثَتِه، فحينَ رجَع من غار حراء، فَزِعًا وَجِلًا، قال لخديجة - رضي الله عنها وأرضاها-: "قَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي"، قَالَتْ: "كَلَّا أَبْشِرْ، فَوَ اللَّهِ لا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ"(رواه البخاري ومسلم).

معشر المسلمين: ولصلة الأرحام أبواب شتَّى: زيارتُهم، والدعاء لهم، وتَفَقُّدُ أحوالهم، وقضاءُ حوائجِهم، والإهداء إليهم، والتصدُّق على فقيرهم، وعيادة مريضهم، وإجابةُ دعوتِهم، ومشارَكتُهم في أفراحهم، ومواساتُهم في أتراحهم، وجِماعُ ذلك كله: الْإِحْسَانُ إِلَى الْأَقَارِبِ فِي الْمَقَالِ وَالْأَفْعَالِ، وَبَذْلِ الْأَمْوَالِ، قال الإمام النوويّ: "الإحسان إلى الأقارب على حسب حال الواصل والموصول، فتارةً تكون بالمال، وتارةً تكون بالخدمة، وتارةً تكون بالزيارة والسلام، وغير ذلك" انتهى كلامه - رحمه الله-. ولَمَّا أراد أبو طلحة - رضي الله عنه-، أن يتصدَّق بحديقته، قال له النبي - صلى الله عليه وسلم-: "قَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ فِيهَا، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الْأَقْرَبِينَ"، فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ، وَبَنِي عَمِّهِ، (رواه البخاري ومسلم)، فخيرُ ما ينفقه الإنسان، ما يكون على قَرابَتِه، فمن كان له رحمٌ فقيرٌ، كان الإنفاقُ عليه صدقةً وصِلَةً، وإن كان من ذوي السَّعَة، كانت له هديةً وصلةً، ففي سنن ابن ماجه، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "الصَّدَقَةُ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ، وَعَلَى ذِي الْقَرَابَةِ اثْنَتَانِ: صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ"، وفي (مسند الإمام أحمد): قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ أَفْضَلَ الصَّدَقَةِ، الصَّدَقَةُ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الْكَاشِحِ"، والكاشحُ هو الْمُعادِي، ولا شكَّ أن الصدقةَ عليه أقربُ إلى الإخلاص؛ لأن عداوتَه، تقتضي منعَ الصدقة، فبإكراهِ النفسِ على إعطائه، يَعظُم أجرُ الصدقة، بخلاف ذي الرحم الواصِل. وصِلَةُ الأرحام لها خاصِّيَّةٌ في انشراحِ الصدر، وتيسُّر الأمر، وسَماحة الخُلُق، والمحبَّة في قلوب الخلق، والمودَّة في القُربَى، وطِيبِ الحياة وبركتها وسعادتها.

والمسلمُ يا عباد الله فرضٌ عليه صِلَةُ الأرحام، وإن أدبرَت، والقيام بحقِّها وإن قطعَت ، فعن أبي ذرٍّ - رضي الله عنه - قال: "أوصَانِي خليلي - صلى الله عليه وسلم - بخِصالٍ من الخير: أوصَانِي ألا أنظُر إلى من هو فَوقِي وأن أنظُر إلى من هو دُوني، وأوصَانِي بحبِّ المساكين والدنُوِّ منهم، وأوصَانِي أن أصِلَ رَحِمِي وإن أدبَرَت، وأوصَانِي ألا أخافَ في الله لومةَ لائِمٍ"؛ رواه الإمام أحمد وابن حبَّان. فأصدقُ الصلةِ، الإحسانُ إلى الأقارب ولو أساؤوا، ودوامُ صلتهم ولو قَطَعُوا، طاعةً لله ورسوله، وأداء لحق أقاربه، ففي (صحيح مسلم): "أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ، فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم-: "لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ، فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمُ الْمَلَّ، وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ، مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ"؛ أي أنَّ إحسانكَ إليهم، مع إساءتهم لكَ، يتنزَّل في قلوبهم منزلةَ النار الْمُحرِقة؛ لِمَا يجدون من ألم الخزي والفضيحة، الناشئ في قلبِ مَنْ قابَل الإحسانَ بالإساءة . وتزداد الصلةُ أجرًا، بإحسان الظنِّ بالقرابات، بتأويل الهفوات، وإقالة العثرات، والنظر في الزلات، بعين العاذر الكريم، حُكي عن زوجة طلحة بن عبد الرحمن بن عوف، - رضي الله عنهم- جميعًا وكان أجود الناس في زمانه، أنَّها قالت: "يا طلحة، ما رأيتُ قومًا أَلْأَمَ من إخوانك. قال لها: وَلِمَ ذلك؟ قالت: أراهم إذا أيسرتَ لَزِمُوكَ، وإذا أعسرتَ تَرَكُوكَ، فقال لها: هذا - واللهِ- مِنْ كرمِ أخلاقِهم، يأتوننا في حال قدرتنا على إكرامهم، ويتركوننا في حال عجزِنا عن القيام بحقهم"، فانظروا يا رعاكم الله- كيف تأوَّل بحُسن خُلُقِه هذا التأويلَ النبيلَ، حتى جعَل قبيحَ فعلهم حسنًا، وظاهرَ غدرِهم وفاءً. وعن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ليس الواصِلُ بالمُكافِئ، ولكنَّ الواصِل الذي إذا قُطِعَت رَحِمُه وصَلَها»؛ رواه البخاري.

مَعاشِر المؤمنينَ: إنَّ قطيعةَ الأرحام، كبيرةٌ من كبائر الذنوب، جاءت النصوصُ الصريحةُ بالتحذير منها، وتوعَّد -سبحانه- مُرتَكِبَها بأنواع من العقوبات، في الدنيا قبل الآخرة، فما مِنْ ذنبٍ أحرى أن يُعجِّل اللهُ لصاحبه العقوبةَ في الدنيا، مع ما يَدَّخِر له في الآخرة، من البغي وقطيعة الأرحام، فمَنْ قطَع رَحِمَه قطَعَهُ اللهُ، ومَنْ قطَعَهُ اللهُ، فأيُّ خيرٍ يرجوه، ففي صحيح البخاري: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه-، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الخَلْقَ، حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ خَلْقِهِ، قَالَتِ الرَّحِمُ: هَذَا مَقَامُ العَائِذِ بِكَ مِنَ القَطِيعَةِ، قَالَ: نَعَمْ، أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى يَا رَبِّ، قَالَ: فَهُوَ لَكِ"، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ)[مُحَمَّدٍ: 23]". رواه البخاري ومسلم. وعن أبي موسى - رضي الله عنه - أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: «ثلاثةٌ لا يدخُلون الجنة: مُدمِنُ الخمر، وقاطِعُ الرَّحِم، ومُصدِّقٌ بالسِّحر»؛ رواه أحمد والطبراني والحاكم. فطُوبَى لمن أبصرَ العواقِب، ونظرَ إلى نهاية الأمور، وأعطَى الحقَّ من نفسِه، وأدَّى الذي عليه، ورغِبَ إلى الله في الذي له على غيرِه، وأتَى إلى الناسِ ما يُحبُّ أن يأتُوه إليه. فقاطعُ الرحم، مطرود من رحمة الرحيم، متوعَّد بنار جهنم والعياذ بالله ، ففي الصحيحين، عن جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ - رضي الله عنه-، أن رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعُ رَحِمٍ"؛ فلذا -إخوةَ الإيمان- معاداةُ ذوي الرحم، بلاءٌ وشرٌّ، الرابح فيها خاسر، والمنتصِر مهزوم، ورُبَّ قطيعة بين ذوي رحم، توارَثَها الأبناء عن الآباء، فكان على الآباء وِزرُها، وَوِزرُ مَنْ وقَع فيها، ولربما توالت السنون والأعوام، وأدرَك القاطعَ فيها هادمُ اللذات، ومُفرِّق الجماعات، حينَها لا ينفع الندمُ، ولا التأسفُ والألمُ . ألَا فاتقوا الله -عبادَ اللهِ-، وصِلُوا أرحامَكم، ولو قطعوكم، وأحسِنوا إليهم ولو أساؤوا إليكم، واحلموا عنهم ولو جهلوا عليكم، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿ فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الروم: 38].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفَعَني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفرُ الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية :ـ

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، أحمدُ ربِّي وأشكُرُه، وأتوبُ إليه وأستغفِرُه، وأشكرُه على فضلِه العَميم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العليمُ الحكيم، وأشهد أن نبيِّنا وسيِّدنا محمدًا عبدُه ورسولُه الهادِي إلى صِراطٍ مُستقيم، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وعلى آله وصحبِه ذوِي النَّهج القويم .

أما بعدُ مَعاشِرَ المؤمنينَ: إنَّ صلةَ الأرحامِ، علامةٌ من علامات كمال الإيمان، وخَصلةٌ من خصال أهل الإحسان، فمِنْ مقاصدِ الإسلامِ العاليةِ، وركائزِه العظامِ الساميةِ، نشرُ المحبة بين العباد، ونبذُ التخاصمِ والأحقاد؛ فلذا أمرتِ الشريعةُ بصلة الأرحام، وإِنْ كانوا على غير الإسلام؛ نعم، وإن كانوا على غير الإسلام؛ ففي الصحيحين، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ - رضي الله عنهما- قَالَتْ: "قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ، فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ إِذْ عَاهَدَهُمْ، فَاسْتَفْتَيْتُ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ رَاغِبَةٌ، أَفَأَصِلُ أُمِّي؟ قَالَ: "نَعَمْ، صِلِي أُمَّكِ"؛ فصلةُ الأرحام واجبةٌ، من آباء وأمهات، وإخوة وأخوات، وأعمام وعمَّات، وأخوال وخالات، وكلَّما كان الرحم منكَ أقربَ، كان حقُّه عليكَ أَولَى وأوجبَ، فصل أُمَّكَ وأبَاكَ، وأُختَكَ وأخاكَ، ثم أدناكَ أدناكَ. أيها المسلمون: عظِّموا أوامرَ الله بالعمل بها، وعظِّموا ما نهى الله عنه باجتِنابه، وأدُّوا حقوقَ ربِّكم، وحقوقَ عباده؛ فذلك هو الفوزُ العظيم. واعلموا - عباد الله - أن الله - تبارك وتعالى - لا تخفَى عليه خافِية، فاعمَلوا للدار الآخرة صالِحَ الأعمال؛ فإنها دارُ القرار لا ينفَدُ نعيمُها، ولا يبلَى شبابُها، ولا تخرمُ دارُها، ولا يموتُ أهلُها. واتَّقوا نارًا وقودُها الناسُ والحِجارة، عذابُها شديدٌ، وقعرُها بعيدٌ، وطعامُ أهلها الزقُّوم، وشرابُها المُهلُ والصَّديد، ولِباسُهم القَطِرانُ والحديد. قال الله تعالى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ ﴾ [الجاثية: 15]. هذا وصلوا وسلموا على من أمرَكم الله بالصلاة والسلام عليه فقال - عزَّ مِن قائِلٍ:﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]، وقال صلى الله عليه وسلم : «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرَ صَلَوَاتٍ، وَحُطَّتْ عَنْهُ عَشْرُ خَطِيئَاتٍ، وَرُفِعَتْ لَهُ عَشْرُ دَرَجَاتٍ» (رواه النسائي وصححه الألباني)  اللهم صَلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله، .  اللهُمَّ ارضَ عن الخلفاء الراشدين، أبي بكر وعمر وعثمان وعلِيّ، وعن سائر الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وجودك يا أرحم الراحمين.

ــ اللهم أعز الإسلام والمسلمين، واذل الكفرة والملحدين ـــ اللهم أَصْلِحْ أحوالَ المسلمينَ في كلِّ مكانٍ ــ اللهم مَنْ أرادَنا وبلادَنا بسوء، فأَشْغِلْهُ بنفسه، واجعَلْ كيدَه في نحره،

ــ اللهم ادفع عنا الغلاء والوبأ ،والربا والزنا، والزلازل والمحن، وسوء الفتن، ما ظهر منها وما بطن ــ اللهم إنا نعوذ بك من جهد البلاء، ومن درك الشقاء، وسوء القضاء وشماتة الأعداء . 

ــ اللهم إنَّا نسألكَ الجنةَ وما قرَّب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بكَ من النار وما قرَّب إليها من قولٍ أو عملٍ. 

ــ اللهم اشف مرضانا، وعاف مبتلانا، وارحم موتانا .

ــ اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من الهالكين ، اللهم سقيا رحمه لا سقيا عذاب . ــ اللَّهُمّ اغفر لنا ولوالدينا ، وللْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ، وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ ، الْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْأَمْوَاتِ  

(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 201]. عباد الله  (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ النحل:(90) فاذكروا اللهَ يذكُركم، واشكُروه على نعمِه يزِدكم، ولذِكرُ الله أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنَعون .


تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة