U3F1ZWV6ZTM1NTgxMTY5NjA2OTA3X0ZyZWUyMjQ0NzY3ODUyMjQwMg==

خطبة الجمعة الثانية من شهر محرم 1444

خطبة الجمعة الثانية من شهر محرم 1444

التسبيح عبادة جليلة ،وذِكرُ اللهِ قرينُ المؤمن في حياته، في صباحه ومسائه، ونومه ويقظته، وسفره وإيابه، وطعامه وشرابه، والذاكرُ الصادق هو الذي يعمل في طاعة ربه، فيذكر اللهَ على كل أحيانه وشئونه، 


 عنوان الخطبة فضل التسبيح في الدنيا والآخرة

 الخطبة الأولى:

إنَّ الحَمدَ للهِ، نَحمدُهُ ونستعينُهُ و نستغفره، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنَا ,ومن سيئاتِ أعمالنا، مَن يهدِ للهُ فلا مُضِلَّ لهُ ومن يُضلِل فلا هادِيَ لهُ، وأشهد ألَّا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، ما وجَد مؤمنٌ نعمةً أعظمَ من الأُنس به، وطمأنينة القلب بذِكْره، وتسبيحه وحمده، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، أوسع الناس لله علمًا، وأكثرهم له تسبيحًا وذِكرًا، وأشدُّهم له خشيةً وتقوى، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وأزواجه أمهات المؤمنين، ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

أيها المؤمنين: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله؛ فتقوى الله هي الوصية الجامعة، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ ( آل عمران: 102).... (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً  وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)..... ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ الأحزاب(70، 71) .، اما بعد فان اصدق الحديث كتاب الله واحسن الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم وشر الامور محدثاتها وكل محدثة بدعه وكل بدعة ضلاله وكل ضلالة في النار.

أيها المؤمنون عباد الله : 

اتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه، واذكروه وسبِّحوه، واشكروا له واستغفروه؛ (فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)[يس: 83]. عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أحبُّ الكلام إلى الله أن يقول العبد: سبحان الله وبحمده))، وفي الحديث الذي رواه مسلم من حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أحبُّ الكلام إلى الله تعالى أربع: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا يضرك بأيِّهِنَّ بدأت)). لا شيء أعظم من الله، ولا ذِكْر أفضل من ذكره ، ولذا كان ذِكرهُ أكبر من كل شيء، ومثل الذي يذكر ربَّه والذي لا يذكر ربه مثلُ الحي والميت، بل يرقى الحال بالذاكرين إلى أن يباهي بهم ربُّهم ملائكتَه، وذِكرُ اللهِ قرينُ المؤمن في حياته، في صباحه ومسائه، ونومه ويقظته، وسفره وإيابه، وطعامه وشرابه، والذاكرُ الصادق هو الذي يعمل في طاعة ربه، فيذكر اللهَ على كل أحيانه وشئونه، قال سعيد بن جبير - رحمه الله-: "كلُّ عاملٍ لله - تعالى- بطاعة، فهو ذاكر لله "، وصدَق اللهُ إذ يقول: (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[آلِ عِمْرَانَ: 191]، والتسبيح من أعظم الذِّكر، ولقد ورَد التسبيح في القرآن الكريم أكثرَ من ثمانين مرةً، وافتتح الله - به سبع سُوَر من كتابه، وأثبَت لنفسه الأسماء الحسنى والصفات العلا، وقرَن ذلك بالتسبيح له، فقال سبحانه: (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ)[الْحَشْرِ: 23]، فهو - سبحانه- سبُّوح قدوُّس، رب الملائكة والروح، يحب أن يسبِّحهُ عبادُه، فالملائكة مع ما وُكِلَ إليهم من الأعمال العظيمة الجليلة (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ)[الْأَنْبِيَاءِ: 20]، وهم بتسبيحهم لربهم يشرُفون ويفخرون، (وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ * وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ)[الصَّافَّاتِ: 165-166]، وفي (صحيح مسلم) قال صلى الله عليه وسلم: "‌إذا ‌قضى ‌الله ‌أمرًا ‌سبَّح حمَلةُ العرش، ثم يسبِّح أهلُ السماء الذين يلونهم، حتى يبلغ التسبيحُ أهلَ هذه السماء الدنيا"؛ أي: تنزيهًا له -سبحانه- وتعظيمًا لأمره، وخضوعًا وقبولًا وطاعةً له . وأمَّا رُسُلُ اللهِ - تعالى- وأنبياؤه: فالتسبيح ذِكرُهم، وهو عند الشدائد مفزعُهم، فهذا نبيُّ الله موسى -عليه السلام- يدعو ربَّه بأن يجعل معه أخاه هارون وزيرًا؛ ليُعينه على التسبيح كثيرًا، فقال: (وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا)[طه: 29-34]. ونبيُّنا محمد - صلى الله عليه وسلم- حياته كلها تسبيح، فإذا قرأ القرآن ومرَّ بآية فيها تنزيه للرحمن سبَّح، وإذا قام من الليل أطال التسبيح في ركوعه وسجوده، وإذا رَكِبَ دابتَه قال: "سبحان الذي سخَّر لنا هذا"، وإذا نزل واديًا سبَّح، وإذا رأى الأمر الذي يُتعجَّب منه سبَّح، وإذا أوى إلى فِراشه سبَّح ثلاثًا وثلاثين، وحين اشتدَّ أذى المشركين به فأحاط به الهمُّ، وضاق به الصدر، أمرَه ربُّه بكثرة التسبيح له؛ لينشرح صدره، ويذهب عنه همُّه وغمُّه، فقال: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ)[الْحِجْرِ: 97-98]، فبالتسبيح يا عبد الله يطمئنُّ قلبكَ، وتقرُّ عينُكَ، وينشرح صدرُكَ، ويعطيكَ ربُّكَ ، من الثواب العاجل والآجل، حتى ترضى؛ (فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى)[طه: 130]. ولعظيم فضل التسبيح لَمَّا بلَّغ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم- الرسالة وأدَّى الأمانة ودخَل الناسُ في دين الله أفواجًا، أخبرَه ربُّه بدنو الأجل، وأمرَه بأن يختم حياتَه، بالتسبيح لله -عز وجل-؛ (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا)[النَّصْرِ: 1-3]. قالت الصِّدِّيقة بنت الصِّدِّيق - رضي الله عنها وأرضاها- كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يُكثِر أن يقول قبل أن يموت: "سبحانك وبحمدك، أستغفرك وأتوب إليك"(رواه مسلم). ولقد تعبَّد للهُ -سبحانه وتعالى- جميع المخلوقات بالتسبيح له، مقِرَّة له بكماله وجلاله، خاضعة لسلطانه، وتوحيده وعظمته؛ (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ)[النُّورِ: 41]، فالسماوات السبع ومَنْ فيهن يسبح، وشمسها وقمرها، ونجومها وكواكبها، والأرض بجبالها وبحارها، ورمالها وأشجارها، وكل رطب ويابس، وكل حي وميت، فالكون كله يعج بالتسبيح للكبير المتعال، بلسان الحال والمقال؛ (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا)[الْإِسْرَاءِ: 44]. ولقد أسمَع اللهُ - تعالى- بعضَ أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم- شيئًا من تسبيح الجمادات، من حنين الجذع، وتسبيح الحصى في كفِّه، بأبي هو وأمي - صلى الله عليه وسلم . 

أيها المؤمنون عباد الله :

التسبيح عبادة جليلة، وطاعة عظيمة، يُحيي اللهُ به القلوبَ، ويُضاعِف به الأجورَ، ويمحو الله به الخطايا، ويغفر الذنوب، وهو زاد الآخرة، وغِراس الجنة، وأفضل الكلام، وأحبُّه إلى الرحمن، وبه يثقل الميزان، والتسبيح يشفع لصاحبه عند ربه، ويُذَكِّر به إذا وقعت له شدة؛ ففي (مسند الإمام أحمد)، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم- قال: "إِنَّ الَّذِي ‌تَذْكُرُونَ ‌مِنْ ‌جَلَالِ ‌اللهِ، ‌وَتَسْبِيحِهِ، وَتَحْمِيدِهِ، وَتَهْلِيلِهِ تَتَعَطَّفُ حَوْلَ الْعَرْشِ، لَهُنَّ دَوِيٌّ، كَدَوِيِّ النَّحْلِ، يُذَكِّرْنَ بِصَاحِبِهِنَّ، أَفَلَا يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ لَا يَزَالَ لَهُ عِنْدَ اللهِ شَيْءٌ يُذَكِّرُ بِهِ؟"، ونبي الله يونس -عليه السلام- كان في ظلمة الليل، وظلمة البحر، وظلمة بطن الحوت، (فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)[الْأَنْبِيَاءِ: 87]، فنجَّاه الله - تعالى- وقال: (فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)[الصَّافَّاتِ: 143-144]. عباد الله: التسبيح له أثراً لنعيم القلب وانشراحه، وراحته وسروره، فهو لا ينقطع بانقضاء الدنيا، فأهل الجنة يلهَمون التسبيحَ ولا يفترون عنه، بلا مشقة ولا كُلفة؛ (دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ)[يُونُسَ: 10]، وفي (صحيح مسلم) قال صلى الله عليه وسلم: "إن أهل الجنة يُلهَمون التسبيحَ والتحميدَ كما تُلهَمون النَّفَسَ". فيا عباد الله، عظموا الله بقلوبكم، عظموا الله بألسنتكم، عظموا الله بجوارحكم، فسبحان الله وبحمده، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه ومداد كلماته، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا)[الْأَحْزَابِ: 41-42]، بارَك اللهُ لي ولكم في القرآن والعظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكمة، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفِروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله المحمود بألسنة المؤمنين، وأشهد ألَّا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلَّى اللهُ وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.

أما بعدُ، عباد الله : التسبيح راحة، التسبيح فوز وسعادة وقرب، فما خاب من سبح الله، ولا ضاع ولا خسر ولا هلك من سبح الله تعالى. إذا قضى الله الأمر في السماء سبحت الملائكة حتى يبلغ تسبيحهم السماء الدنيا؛ تعظيما لأمر الله. والسموات والأرض ومن فيهن كلها، تسبِّح لله مقرة بكماله خاضعة لسلطانه؛ (سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)[الْحَدِيدِ: 1]، والرسل صفوة الخلق دعوا أقوامهم إلى التسبيح وتحلوا به، فموسى -عليه السلام- أرسله الله إلى فرعون فسأل ربه وزيرًا يشاركه في رسالته وكثرة التسبيح؛  وزكريا -عليه السلام- بشَّره ربُّه بيحيى وجعَل له آية على وجود الولد؛ وهي عدم قدرته على كلام الناس إلا بالإشارة، وأمَرَه اللهُ وهو على تلك الحال بملازَمة التسبيح؛ فقال: (وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ)[آلِ عِمْرَانَ: 41]، وخرج على قومه ولسانه محبوس عن كلامهم من غير آفة ولا سوء، وآمرهم بالإشارة بتسبيح الله؛ (فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا)[مَرْيَمَ: 11]، والله أمَر نبيَّنا محمد - صلى الله عليه وسلم- أن يسبحه أول النهار وآخره؛ (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا)[طه: 130]، وأول الليل وآخره؛ (وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى)[طه: 130]. ولعظيم شأن التسبيح وحاجة الخلق إليه فإن من مقاصد الرسالة دعوة الخلق إليه، وبذلك أمر الله عباده: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا)[الْأَحْزَابِ: 41-42]، والمؤمنون إذا سمعوا كلام الله؛ (خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ)[السَّجْدَةِ: 15]، والمخلوقات على اختلافها تسبح لله؛ فالرعد يسبح له؛ (وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ)[الرَّعْدِ: 13]، والطيور والجبال سبَّحت بتسبيح داود -عليه السلام-: (وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ)[الْأَنْبِيَاءِ: 79]، وما من شيء في الكون إلا وهو يسبح لله ويحمده مُقِرًّا بكماله، خاضعًا لسلطانه؛ والخَلْقُ كلُّهم مأمورون بتنزيه الله وإجلاله وعبادته، ومن استكبر منهم عن ذلك فالملائكة يسبحون اللهَ، واللهُ غنيٌّ عن جميع خلقه؛ (فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ)[فُصِّلَتْ: 38]، وقال عليه الصلاة والسلام: "من قال حين يصبح وحين يمسي: سبحان الله وبحمده مائة مرة، لم يأتِ أحدٌ يومَ القيامة بأفضلَ ممَّا جاء به إلا أحدٌ قال مثلَ ما قال أو زاد عليه"(رواه مسلم). ولَمَّا بلَّغ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم- الرسالةَ، وأدَّى الأمانةَ أمَرَه ربُّه بالإكثار من التسبيح؛ ليستكمل ما تبقَّى له من مقامات العبودية؛ 

أيها المسلمون:التسبيحُ حقٌّ لله وحدَه، وهو يحيي القلوب ويحقق التوحيد، ويضاعف الأجور، فتسبيحةٌ واحدةٌ يُكتَب بها للعبدِ عشرُ حسنات، ويُحَطّ عنه من الخطايا مثلُها، قال النبي - صلى الله عليه وسلم-: "أيعجز أحدكم أن يكسب كلَّ يومٍ ألفَ حسنةٍ، فسأله سائلٌ من جلسائه: كيف يكسب أحدُنا ألفَ حسنةٍ؟ قال: يسبِّح مائةَ تسبيحةٍ، فيُكتَب له ألفُ حسنةٍ، ويُحَطُّ عنه ألفُ خطيئةٍ"(رواه مسلم). والله يحب التسبيح والحمد، والميزانُ يَثقُل بهما، قال عليه الصلاة والسلام: "كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم"(متفق عليه). ووزنهما كبير ثقيل و ترجُح بهما الصحف والموازين، قال النبي - صلى الله عليه وسلم-: "سبحان الله والحمد لله تملآن ما بين السموات والأرض"(رواه مسلم)، وهما يحطان الخطايا وإن كثرت الذنوب، قال عليه الصلاة والسلام: "مَنْ قال: سبحانَ اللهِ وبحمدِه مائةَ مرةٍ حُطَّتْ خطاياه وإن كانت مثلَ زَبَدِ البحرِ"(متفق عليه). والتسبيح يا عباد الله يعدل الصدقة بالمال؛ "إن بكل تسبيحة صدقة"(رواه مسلم)، ومن سبَّح اللهَ متدبِّرًا ما يقول، وقلبه يواطئ لسانه عدل تسبيحُه أعمالَ المجتهِدين من العُبَّاد؛ خرج النبي - صلى الله عليه وسلم- من عند جويرية -رضي الله عنها- حين صلَّى الصبح وهي في مسجدها ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسة، فقال: ما زلتِ على الحال التي فارقتكِ عليها؟ قالت: نعم، قال: لقد قلتُ بعدَكِ أربعَ كلماتٍ، ثلاثَ مراتٍ، لو وُزِنَتْ بما قلتِي منذ اليوم لَوَزَنَتْهُنَّ: سبحانَ اللهِ وبحمدِه عددَ خلقِه ورضا نفسِه، وزنةَ عرشِه، ومدادَ كلماتِه"(رواه مسلم)، والسعيد مَنْ أكثرَ مِنْ تسبيحِ اللهِ وأفرَدَهُ بالعبودية.... فإذا ما حلت بك نائبة فكن من المسبحين، في الليل سبح، وفي النهار سبح، في اليسر سبح، وفي العسر سبح. اللهم اجعلنا لك ذاكرينَ، لك شاكرينَ ، اللهم أعنَّا على ذِكركَ وشكركَ وحُسْن عبادتك، 

هذا وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه  فقال - عزَّ مِن قائِلٍ -: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56].وقال صلى الله عليه وسلم : «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرَ صَلَوَاتٍ، وَحُطَّتْ عَنْهُ عَشْرُ خَطِيئَاتٍ، وَرُفِعَتْ لَهُ عَشْرُ دَرَجَاتٍ» (رواه النسائي وصححه الألباني)  اللهم صَلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله، .  اللهُمَّ ارضَ عن الخلفاء الراشدين، أبي بكر وعمر وعثمان وعلِيّ، وعن سائر الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وجودك يا أرحم الراحمين.

ــ اللهم أعز الإسلام والمسلمين، واذل الكفرة والملحدين ، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان .

ــ اللهم ادفع عنا الغلاء والوبأ ،والربا والزنا، والزلازل والمحن، وسوء الفتن، ما ظهر منها وما بطن.

ــ اللهم إنا نعوذ بك من جهد البلاء، ومن درك الشقاء، وسوء القضاء وشماتة الأعداء.

ــ اللهم إنا نسألك الجنة، وما قرَّب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بك من النار وما قرَّب إليها من قول أو عمل.

ــ اللهم اشف مرضانا، وعاف مبتلانا، وارحم موتانا.

ــ اللهم اغفر لنا ولوالدينا اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات الاحياء منهم والاموات .

ــ اللهم اسقنا الغيث، اللهم اسقنا الغيث، اللهم اسقنا الغيث، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من المحرومين ، اللهم سقيا رحمه لا سقيا عذاب، (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[الْبَقَرَةِ: [البقرة: 201]. عباد الله (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ النحل:(90) اذكروا اللهَ يذكُركم، واشكُروه على نعمِه يزِدكم، ولذِكرُ الله أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنَعون 

ملاحظة ( خطبة مقتبسة من خطبة الشيخ ماهر المعيقلي )

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة