U3F1ZWV6ZTM1NTgxMTY5NjA2OTA3X0ZyZWUyMjQ0NzY3ODUyMjQwMg==

خطبة الجمعة من المسجد النبوي 19 محرم 1443

خطبة الجمعة من المسجد النبوي 19 محرم 1443

ألقى فضيلة الشيخ / صلاح البدير من منبر المسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة 19 محرم 1443 خطبة بعنوان الدنيا دار ممر والآخرة دار مقر تحدث فيها ان الدنيا ظل زائل وذكر عواقب الغفلة عن الآخرة والاغترار بالدنيا أكتب ما جاء فيها .

صورة الشيخ / صلاح البدير

عنوان الخطبة الدنيا دار ممر والاخرة دار مقر

الخطبة الأولى:

الحمد لله الذي ازيَّنَت بحمده الأفواه، وخضعت لعظمته الجباه، أحمده أبلغَ الحمد وأكملَه وأشملَه، وأشهد ألَّا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، لا ناقضَ لما بناه، ولا رافعَ لما أهواه، ولا مانعَ لما أعطاه، ولا رادَّ لما قضى، وأشهد أنَّ نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه، الذي اختاره ربه واصطفاه.

صلى الإله وكل عبد صالح *** والطيبون على السراج الواضح

المصطفى خير الأنام محمد *** الطاهر العلم الضياء اللائح

زينُ الأنام المصطفى عَلَم الهدى *** الصادق البَرّ التقي الناصح

صلى عليه الله ما هبَّ الصَّبا *** وتجاوبت وِرقُ الحَمام النائح

اللهم صلِّ وسلِّم عليه، وعلى آله وأصحابه، صلاةً وسلامًا دائمينِ ممتدينِ متلازمينِ إلى يوم الدين.

أما بعدُ فيا أيها المسلمُون: اتقوا الله بالسعي إلى مراضيه، واجتناب معاصيه؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102].

أيها المسلمُون: الدنيا متاع وأطماع، وزخرف متروك، لا يغترُّ به إلا الحمقى.

أحلام نَوْم أو كظل زائل *** إن اللبيب بمثلها لا يخدع

اليوم عندكَ دَلُّها وحديثُها *** وغدًا لغيرك كفُّها والمعصم

قال جلَّ وعزَّ في الكافرين: (وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ)[الْأَنْعَامِ: 130]، وقال جلَّ وعزَّ: (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى)[الْأَعْلَى: 16-17]، قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "إن الدنيا عُجِّلت لنا، وإن الآخرة نُعتت لنا، وزُويت عنا، فأخَذْنا بالعاجل وتركنا الآجِلَ، دنيا دنية عاجلة، تلمع لمع السراب، وتمر مرَّ السحاب، ما فيها ينقضي ويفنى، وإن جمَّ عددُه وطال مددُه، والآجال نافذة آخِذة، تجرِّد نصلًا، وتنبض سهمًا، والحازم من تأهَّب قبل نفوذ الأجل، وتزوَّد قبل بغتة الموت، وبادَر قبل فجأة الفوات، وأما الجاهل المغرور فقد نسي حِمامَه، وضيَّع أيامَه، وغفل عن تدبُّر العواقب، وألهاه التباري في الكثرة والتباهي.

جهولٌ ليس تنهاه النواهي *** ولا تلقاه إلا وَهْو ساهي

يُسَرّ بيومه لعبًا ولهوًا *** ولا يدري وفي غده الدواهي

أيها المسلمُون: وتوشك المنايا أن تسبق الوصايا، ويغادر الغافلُ دنياه، وقد نعاه الناعون، وهو يمنع الماعون، ويوشك الموت أن يحل بناديه، وداعيه يناديه، وما أدى حقا، ولا نشَر عِلمًا، ولا أجرى نهرًا، ولا حفَر بئرًا، ولا غرس نخلًا، ولا بنى مسجدًا، ولا ورث مصحفًا، ولا أوقف وقفًا، وذلك طيش الرأي وقصور التدبير.

فيا من بخل على نفسه، ولم يتزود لآخرته: جمعت المال للغير، ولم تنفق منه في الخير، ولم تتزود منه للسير، فتفكر في أمرك وانقضاء عمرك، وقدم من مالك ما ينفعك في مآلك، عن عبد الله بن الشِّخِّير -رضي الله عنه- قال: "أَتَيْتُ ‌النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ‌وَهُوَ ‌يَقْرَأُ: ‌أَلْهَاكُمُ ‌التَّكَاثُرُ، قَالَ: "يَقُولُ ابْنُ آدَمَ: مَالِي، مَالِي، قَالَ: وَهَلْ لَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مِنْ مَالِكَ إِلَّا مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ، أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ، أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ؟"(رواه مسلم).

وعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أَيُّكُمْ ‌مَالُ ‌وَارِثِهِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ مَالِهِ؟" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا مِنَّا أَحَدٌ إِلَّا مَالُهُ أَحَبُّ إِلَيْهِ، قَالَ: "فَإِنَّ مَالَهُ مَا قَدَّمَ، وَمَالُ وَارِثِهِ مَا أَخَّرَ"(أخرجه البخاري).

أبقيت مالكَ ميراثًا لوارثه *** فليتَ شِعري ما أبقى لكَ المالُ

القومُ بعدَك في حال تسرُّهم *** فكيف بعدَهُمُ دارت بكَ الحالُ

ملُّوا البكاءَ فما يبكيكَ من أحدٍ *** واستحكَم القيلُ في الميراث والقالُ

ومال البخيل إما لوارث، أو حادث، أو عابث.

يُفني البخيلُ بجمع المال مدَّتَه *** وللحوادث والوراث ما يدع

كدودة القزِّ ما تَبنِيه يُهلِكها *** وغيرُها بالذي تبنيه ينتفع

فيا عبد الله: انظر بقلبك لا بعينك، وتذكَّرْ يوم فراقك وبينك، وتذكر مَنْ درج مِنَ الإخوان، ومضى من الأقران، وفني من الجيران، وابذر بذرك، واغرس غرسك، قبل انقراض عمرك وحلول أجلك، وما يستوي عمل ترعاه يداك، وتبصره عيناك، وعمل أوكلته بعد وفاتك لغيرك، لا تدري أنفذه الوصي والناظر والوكيل، أم نالته يد التبديل، والتغيير، والتأجيل، والتعطيل.

اللهم أيقذنا من الغفلات، ونجِّنا من الدركات، وكفِّرْ عنا الذنوب والسيئات.

أقول ما تسمعون وأستغفِر اللهَ فاستغفِروه، إنه كان للأوابين غفورًا.

الخطبة الثانية:

الحمد لله آوى مَنْ إلى لطفه أوى، وأشهد ألَّا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له داوى بإنعامه من يئس من أسقامه الدوا، وأشهد أنَّ نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه، من اتبعه كان على الهدى، ومن عصاه ضل وفي خزي الهوى هوى، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، صلاةً تبقى، وسلامًا يترى.

أما بعدُ، فيا أيها المسلمُون: اتقوا الله وراقِبوه، وأطيعوه ولا تعصوه؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)[التَّوْبَةِ: 119].

أيها المفرط في أمر مولاه: وقد أولاه من الرزق ما أولاه، إلى متى تؤخر توبتك، وتؤجِّل أوبتك، أئذَا انقطعتَ عن الدنيا وعاينتَ الآخرة؟ ونزَل بكَ الموتُ، واستولت عليك الحسرةُ، وتسلط الندم، سألتَ ربك الرجعة؛ كي تصلح ما أفسدتَ؟ وتستعتب ممن ظلمتَ، وتعتذر ممن قهرتَ؟ وترد الأموال التي اغتصبتَها، والحقوق التي انتهكتَها، هيهاتَ هيهاتَ، فذلك غير كائن، فإن كنت شفيقًا على نفسك، خائفًا من عذاب ربك، فاستدرِكِ الفوائتَ، وترفَّع عن الدنايا، وصُنِ النَّفْس عن الخطايا، وتعفَّف عن الحرام، واقنع بالحلال، وردَّ الحقوق، وأدِّ الديون، واندم على ما فات، وأقلِع قبل الفوات، وأقبِلْ قبل الممات، وأقدِمْ على مولاك، وتقرب إلى من أوجدك وسواك، واعتذر من ذنوبك وخطاياك، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له.اللهم رُدَّنا إليك، وارحم ذلنا بين يديك، واجعل رغبتنا فيما لديك، اللهم بإيماننا وتوكلنا عليك. ثم أختتم تلك الخطبة بالصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم الدعاء .

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة