U3F1ZWV6ZTM1NTgxMTY5NjA2OTA3X0ZyZWUyMjQ0NzY3ODUyMjQwMg==

خطبة الجمعة من المسجد النبوي 21 محرم 1444

خطبة الجمعة من المسجد النبوي 21 محرم 1444

ألقى فضيلة الشيخ / أحمد بن طالب بن حميد خطبة الجمعة من منبر المسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة 21 محرم 1447 بعنوان خُلُق الحياء: معناه، وتحدث فضيلته بأن الحياء صفة عظيمة ومنقبة حميدة و خُلُق الإسلام الحميد أكتب اليكم ما قال فيها .

صورة الشيخ / أحمد بن طالب بن حميد

عنوان الخطبة خلق الحياء 

الخطبة الأولى: 

إن الحمد لله، نحمده، وَنَسْتَعِينُهُ ونستغفره، ونعوذ بِاللَّهِ من شرور أنفسنا ومن سيِّئات أعمالنا، مَنْ يهدِه اللَّهُ فلا مضلَّ له، ومَنْ يُضلِلْ فلا هاديَ له، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللَّهُ وحدَه لَا شريكَ له، وَأَشْهَدُ أنَّ سيدنا ونبينا محمدًا عبدُه ورسولُه، صَلَّى الله عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسلم. 

 (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71]. 

أما بعدُ: فإنَّ أصدقَ الحديثِ كتابُ اللَّهِ، وأحسن الهديِ هديُ سيدنا محمدٍ رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدَثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ فِي النار. 

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: إن من أعظم خِلال الدِّين، وأجلّ صفات عباد الله الصالحين، الحياء؛ فَهُوَ حياة القلب وأنفاس الروح، فمن قل حياؤه قل ورعه، ومَنْ قلَّ ورعُه مات قلبه، وَهُوَ معدن الأخلاق الفاضلة والأحوال الكاملة، والخير إِلَى الحَيِيِّ كالسيل من العلي، قَالَ صَلَّى الله عَلَيْهِ وسلَّم: "الحياء لَا يأتي إِلَّا بخير"، وَقَالَ عَلَيْهِ الصلاةُ والسلامُ: "الحياءُ خيرٌ كلُّه"، وَمَا اتصف بِهِ إِلَّا مَنْ كَمُلَ عقلُه وحَسُنَ أدبُه.

وحياء البشر كلِحاءِ الشجرِ إِذَا انتزع فسَد وأفسَد ولم يكن له إِلَّا الاجتثاث، وَهُوَ شعبة الإيمان وآية وجوده فِي الجَنان، قَالَ رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْهِ وسلَّم-: "الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها قول لَا إله إِلَّا الله، وَأَدْنَاهَا إماطة الأذى عَنِ الطريق، والحياء شعبة من الإيمان"، وَقَالَ رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْهِ وسلَّم-: "الحياء والإيمان قُرِنَا جميعًا، فَإِذَا رُفِعَ أحدهما رفع الآخر"، وَقَالَ عَلَيْهِ الصلاةُ والسلامُ: "إن لكل دِين خُلُقًا، وخُلُقُ الإسلامِ الحياءُ"؛ أي: سجيتُه الَّتِي شُرعت فِيهِ، ودعي أهله إِلَيْهِ، ودارت أحكامه عَلَيْهِ، وَمَا خرج أحد من الحياء إِلَّا إِلَى البذاء، قَالَ صَلَّى الله عَلَيْهِ وسلَّم: "الحياء من الإيمان، والإيمان من الجنة، والبذاء من الجفاء، والجفاء فِي النار"، ومَنْ جُبِلَ عَلَى الحياء جُبِلَ عَلَى محبوب لله رب العالمين؛ فكان أهلًا لمحبة الله -عز وجل-، قَالَ صَلَّى الله عَلَيْهِ وسلَّم لأشج عبد القيس: "إن فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله: الحلم والحياء". 

واكتساب الحياء بمعرفة الله، ومعرفة عظمته وقربه من عباده واطلاعه عَلَيْهِمْ، واليقين بعلمه بخائنة الأعين وَمَا تخفي الصدور وَلَا زينة للرجال والنساء كزينة الحياء، قَالَ رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْهِ وسلَّم-: "مَا كَانَ الفحش فِي شيء إِلَّا شانه، وَلَا كَانَ الحياء فِي شيء إِلَّا زانه"، فمنزوع الحياء لَا يبالي أي رذيلة ارتكب، وأي كبيرة اقترف، وأي معصية اجترح، وَإِذَا أراد الله بعبد هلاكًا نزع منه الحياء، فلم تلقه إِلَّا مقيتًا ممقَّتًا، قَالَ رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْهِ وسلَّم-: "إنَّ ممَّا أدرَك الناسُ من كلام النبوة الأولى: إِذَا لم تستحِ فاصنَعْ مَا شئتَ". 

وَإِذَا كَانَ فاقدُ الحياءِ لَا خيرَ فِيهِ، فَإِنَّهُ لم يَبقَ له إِلَّا صورةُ اللحمِ والدمِ، فشابَه البُهمَ واستحق الذمَّ، ولولا الحياءُ مِنَ الخالقِ أَوِ الخلائقِ لم يُقْرَ ضيفٌ ولم يُوفَ بوعدٍ، ولم تُؤدَّ أمانةٌ، ولم تُقضَ حاجةٌ، وَلَا تحرَّى المرءُ الجميلَ فآثَرَه، وَلَا القبيحَ فجانَبَه، وَلَا ستر له عورة، وَلَا امتنع من فاحشة، أوصى رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْهِ وسلَّم- رجلًا فَقَالَ: "أوصيك أن تستحيي الله كَمَا تستحيي رجلًا صالحًا من قومك". 

وَلَا يحرك الحياء فِي القلب مثل رؤية نعم الله الَّتِي لَا تُحصى، وتَحَقُّق التقصير فِي حق العلي الأعلى، وشهود اطلاع الحسيب الرقيب، الَّذِي خلق الأرض والسموات العلا، (لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى * وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى * اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى)[طه: 6-8]. 

بارَك اللَّهُ لِي ولكم فِي القرآن العظيم، ونفعني وإيَّاكم بما فِيهِ من الآيات والذِّكْر الحكيم، أقول قَوْلي هَذَا، وأستغفِر الله العظيم لِي ولكم فاستغفِروه، إنَّه كَانَ غفورًا رحيمًا. 

الخطبة الثانية:

الحمد لله، حمدًا كَثِيرًا طيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، كَمَا يحب ربنا ويرضى، وصلاة وسلامًا عَلَى خير خلق الله محمد بن عبد الله، اللهم صل وسلم عَلَى عبدك ورسولك سيدنا محمد؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)[التَّوْبَةِ: 119]. 

واعلموا أن الحياء صفة من صفات الله -عز وجل-، تليق بجلاله وكماله، (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)[الشُّورَى: 11]، فحياؤه لَا تدركه الأفهام، وَلَا تكيفه العقول؛ فَإِنَّهُ حياءُ كرمٍ وبرٍّ وجودٍ وجلالٍ؛ فَهُوَ -سُبْحَانَهُ- حييّ كريم، يَسْتَحْيِي من عبده إِذَا رفع أليه يديه أن يَرُدُّهُمَا صفرًا، ويستحيي أن يعذب ذا شيبة شابت فِي الإسلام، فسبحان من يذنب عبده ويستحيي هُوَ -عز وجل-، ومن استحيا من الله استحيا الله منه، والحياء من الله تعظيم جنابه، وتقديم محابِّه، واجتناب مساخطه، قَالَ رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْهِ وسلَّم-: "استحيوا من الله حقَّ الحياء. قلنا: يا رسول الله، إنا لنستحيي ولله الحمد، قَالَ -صَلَّى الله عَلَيْهِ وسلَّم-: ليس ذاك، ولكن الاستحياء من الله أن تحفظ الرأس وَمَا وعى، والبطن وَمَا حوى، وأن تذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الحياة الدُّنْيَا، فمن فعل ذَلِكَ فقد استحيا من الله حق الحياء". 

وَكَانَ رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْهِ وسلَّم- أشدَّ حياءً من العذراء فِي خدرها، وَكَانَ -عَلَيْهِ الصلاةُ والسلامُ- إِذَا كره شيئًا عُرِفَ فِي وجهه، ومن أعظم الحياء أن يَسْتَحْيِي المرء من فحش غيره؛ جاءت فاطمة بنت عتبة -رضي الله عنها- تبايع النبي -صَلَّى الله عَلَيْهِ وسلَّم- فأخذ عَلَيْهَا ألَّا يشركنَ بِاللَّهِ شيئًا، وألا يسرقنَ وَلَا يزنينَ، فوضعَتْ يدَها عَلَى رأسها حياءً، فأعجب رسولَ الله -صَلَّى الله عَلَيْهِ وسلَّم- مَا رأى منها، ومِنْ أعجبِ الحياءِ، الحياءُ من الأموات، قَالَتْ أم الْمُؤْمِنِينَ عائشة -رضي الله عنها-: "كنت أدخل بيتي الَّذِي دفن فِيهِ رسول الله -صَلَّى الله عَلَيْهِ وسلَّم- وأبي، فأضع ثيابي، وأقول: إنما هُوَ زوجي وأبي، فلما دفن عمر -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- معهما فوالله مَا دخلته إِلَّا وأنا مشدودة علي ثيابي؛ حياء من عمر"، -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أجمعين-، وَلَا أعجب من حياء الأموات من الأحياء، لَمَّا مَرِضَتِ البضعةُ الشريفةُ، والزهراءُ المنيفةُ، فاطمةُ -رضي الله عنها-، وَصَلَّى اللهُ عَلَيْهَا وَعَلَى أبيها وزوجها وبنيها وصالح ذريتها وسلَّم تسليمًا كثيرًا، لما مرضت قَالَتْ لأسماء بنت عميس -رضي الله عنها-: "إني قد استقبحتُ مَا يُصنَع بالنساء، يُطرَح عَلَى المرأةِ الثوبُ فَيَصِفُها، فقالت أسماء -رضي الله عنها-: يا بنتَ رسولِ الله -صَلَّى الله عَلَيْهِ وسلَّم-، ألَا أُرِيكِ شيئًا رأيتُه بأرض الحبشة، فدعَتْ بجرائد رطبة فحَنَتْها ثُمَّ طَرَحَتْ عَلَيْهَا ثوبًا، فقالت فاطمة -رضي الله عنها-: مَا أحسن هَذَا وأجمَلَه، تُعرَف بِهِ المرأةُ من الرَّجُلِ، فَإِذَا أنا متُّ فاغسليني أنتِ وعليٌّ وَلَا يدخل عليَّ أحدٌ، ثُمَّ اصنعي بي هكذا"، وَقَالَ ابنُ عبدِ البرِّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "وفاطمة -رضي الله عنها- أول من غُطي نعشها عَلَى الصفة المذكورة، ثُمَّ بعدها زينب بنت جحش -رضي الله عنها- صنع بها ذَلِكَ أَيْضًا. 

وَفِي رواية أنَّها -رضي الله عنها- قَالَتْ لأَسْمَاءَ: "إِنِّي لأَسْتَحْيِي ‌أَنْ ‌أَخْرُجَ ‌غَدًا ‌على ‌الرِّجَالِ مِنْ خِلَالِهِ جِسْمِي. فلمَّا أشارَتْ عَلَيْهَا بالنعش قَالَتْ: سَتَرَكِ اللَّهُ كَمَا سَتَرْتِنِي".اللهم استرنا بسترك الجميل، واجعل تحت الستر مَا ترضى بِهِ عَنَّا. ثم أختتم فضيلتة تلك الخطبة بالصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم الدعاء.

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة