U3F1ZWV6ZTM1NTgxMTY5NjA2OTA3X0ZyZWUyMjQ0NzY3ODUyMjQwMg==

خطبة الجمعة من المسجد النبوي 3 صفر 1443

خطبة الجمعة من المسجد النبوي 3 صفر 1443

ألقى فضيلة الشيخ الدكتور / أحمد بن حميد من منبر المسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة خطبة الجمعة 3 صفر 1443 بعنوان الصلاة غيث القلوب، وتحدث فضيلته على أن الصلاة قرة عين المحبين و الصلاة مأدبة عامرة بالعطايا و الصلاة غيث متجدد لتحيا به القلوب وكذلك ذكرعواقب ترك الصلاة، أكتب ماء فيها..

صورة الشيخ أحمد بن حميد وهو في المنبر

عنوان الخطبة الصلاة غيث القلوب 

الخطبة الأولى:

الحمد لله الذي لم يتخذ ولدًا، ولم يكن له شريكٌ في الْمُلك، ولم يكن له وليٌّ من الذل، وكبِّره تكبيرًا، والصلاة والسلام على خاتم رسله وخِيرة خَلقه، سيدِنا محمد، -صلى الله عليه وسلم-؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102].

أيها المؤمنون: إن الصلاة قرة عيون المحبين، ولذة أرواح الموحِّدين، ومحكُّ أحوال الصادقين، ولسان ميزان السالكين، وهي رحمة الله المهداة إلى عباده، هداهم إليها وعرفهم إياها؛ رحمةً بهم، وكرامةً لهم؛ لينالوا بها شرف كرامته، والفوز بقربه، لا حاجة منه إليهم، بل مِنَّةً وفضلًا منه عليهم، وتعبَّد بها القلبَ والجوارحَ جميعًا، وجعَل حظَّ القلب ونصيبَه منها أكمل الحظينِ، وأعظم النصيبينِ، إقبالًا على ربه، وفرحًا بسيبه، وتلذذًا بقربه، وتنعمًا بحبه، وابتهاجًا بالقيام بين يديه، قال الله -تبارك وتعالى-: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ * الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)[الْبَقَرَةِ: 45-46]، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "وجُعلت قرةُ عيني في الصلاة"، وكان صلى الله عليه وسلم إذا حزَبه أمرٌ فزع إلى الصلاة.

ولَمَّا امتَحن -سبحانه- عبدَه بالشهوات وأسبابها اقتضت تمامُ رحمته به وإحسانه إليه أن هيَّأ له مأدبةً قد جمعت من الألوان والأحوال تُحفًا وخِلَعًا وعطايا، ودعاه إليها كل يوم خمس مرات، وجعل في كل لون وحال لذة ومنفعة لتكمل عبوديته، وتعظم كرامته، وتكفر خطيئته، فلكل لون نوره، ولكل حال سروره، يجده المصلي قوةً في قلبه، وعونًا في جوارحه، وثوابًا يخص كلَّ فعل يوم لقاء ربه، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "‌أَرَأَيْتُمْ ‌لَوْ ‌أَنَّ ‌نَهْرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ، هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شيء؟"، قَالُوا: لَا يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ، قَالَ: "فَذَاكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، يَمْحُو اللهُ بِهَا الْخَطَايَا"، وذكر -صلى الله عليه وسلم- الصلاة يومًا فقال: "مَنْ حافَظ عليها كانت له نورًا وبرهانًا ونجاةً يومَ القيامة"، فيصدُر المدعو من هذه المأدبة وقد أشبَعَه مولاه وأرواه، وخلَع عليه خِلَع القَبول وأغناه؛ لأنَّ القلب كان قد ناله من القحط والجدب والجوع والظمأ ما نالَه، قال الله -عز وجل-: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ)* وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ * وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ * وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ * وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ * وَقُلْ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ * وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ * وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)[هُودٍ: 112-123].  

بارَك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذِّكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفِر اللهَ العظيمَ لي ولكم، فاستغفِروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مبارَكًا فيه، كما يُحب ربُّنا ويرضى، وصلاةً وسلامًا على خير خَلق الله محمد بن عبد الله، وآله وصحبه ومَنْ والاه؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71].

أيها المؤمنون: لما كان جدب الأرواح متتابعًا، وقحط النفوس متواليًا، جدَّد اللهُ الدعوةَ إلى هذه المأدبة حينًا بعد حين، رحمةً منه وفضلًا، فلا يزال العبد مستسقِيًا مَنْ بيده غيث القلوب وسقيها، مستمطِرًا سحائبَ رحمته وريَّها؛ لئلا ييبس ما أنبتته له من كلأ الإيمان وثمار الإيقان، قال الله -عز وجل-: (أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا * وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا * وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا * وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا)[الْإِسْرَاءِ: 78-81].

عبادَ اللهِ: إن الله -عز وجل- أمر يحيى بن زكريا -عليهما السلام- بخمس كلمات أن يعمل بها ويأمر بها بني إسرائيل أن يعملوا بها، وكان من ذلك أن قال: "وإن الله أمركم بالصلاة، فإذا صليتم فلا تلتفتوا؛ فإن الله ينصب وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يلتفت"، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إنما يكتب للعبد من صلاته ما عقل منها"، فسرُّ الصلاة وروحُها ولبُّها إقبال العبد على الله بكليته، فكما أنه لا ينبغي له أن يصرف وجهَه عن قِبلة الصلاة، فكذلك لا ينبغي له أن يصرف قَلبه عن سيده ومولاه، فبيت الله قِبلة وجهه، وربُّ البيت قِبلة قلبه، فإذا أقبل على الله أقبل الله عليه، وإذا أعرَض أعرَض الله عنه، ومن ترك الصلاة فقد نقض العهد وكفر مولاه، وأعرض عن ذكر الله، فيا لفساد عيشته وعمى بصيرته، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمَن تركَها فقد كفَر"، قال الله -عز وجل-: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى * وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى)* أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى * وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى * فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى * وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى * وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى * وَقَالُوا لَوْلَا يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى * وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى * قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى)[طه: 124-135]. وأختتم فضيلته تلك الخطبة بالصلاة والسلام على رسول الله صلى الله علية وسلم ثم الدعاء ..

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة